خارطة التظاهرات يُضاف إليها بيان رئاسي من مجلس الأمن واغتيال سياسي ربما يكون الأول في الحدث السوري، ومن الطبيعي إعادة التعامل من جديد مع الأزمة السورية بعد جملة محطات ظهرت خلال الأيام القليلة الماضية، فالبيان الرئاسي الذي جاء على خلفية أحداث حماه هو في عمقه يسعى لإعادة القضية باتجاه محدد له بعد إنساني رغم أن حديث السفير الأمريكي في دمشق يقدم مؤشرات على نوعية تشابك المصالح داخل خارطة الاحتجاجات.

عمليا فإن الحدث السوري بدأ يتخذ منحى يتعامل مع صراع إقليمي، فالأزمة السورية شكلت خلال الأشهر الأربع بيئة خاصة يمكنها أن تستوعب الضغوط الدولية بشكل مختلف، فالاعتراف السوري الرسمي بالمعارضة كجزء من النسيج الوطني بات اليوم على محك حقيقي يمكن أن يرسم مستقبلا صورة سورية بشكل أو بآخر، لكن وسط الحدث يحمل أكثر من مؤشر حول نوعية التحول الذي يسعى إليها البعض، حيث نجد:

أولا - لم تعد مسألة "الجماعات المسلحة" مجرد مصطلح يمكن القبول به بشكل مطلق، فبعد اغتيال الشهيد سمير قناطري منفذ عام الحزب السوري القومي الاجتماعي في إدلب، فإننا نقف عند محطة أساسية في رؤية شريحة لا بأس بها من "المحتجين" للتشكيلات السياسية أو لحركتها على الأرض، فرغم أن اغتياله يمكن أن يضيف رقما لعدد الشهداء لكن استهداف "التحرك السياسي" يمكن اعتباره شأنا جديدا، والسؤال كيف سيقحم هذا الحدث الحزب السوري القومي الاجتماعي داخل هذه الأزمة؟

الثاني - يأتي البيان الرئاسي من مجلس الأمن على خلفية إحراج كل من روسيا والصين، لكنه في المقابل إقحام للبنان أيضا في دائرة ما يجري، خصوصا بعد بيان رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري ومن بعده قوى 14 آذار، التي باتت موجودة داخل طرف واحد في الصراع الدائر في الداخل السوري، فالمسألة ليست فرزا دوليا بقدر كونها فرزا إقليميا يتوقع بعض المراقبين في واشنطن أن يؤثر على الداخل اللبناني أو حتى يفجر بعض التناقضات فيه.

الثالث - يستبق البيان الرئاسي الموعد المقرر لانعقاد مجلس الشعب السوري بعد تأجيل الانتخابات، وهي جلسة ستحمل معها برنامج الإصلاح السياسي فمن المتوقع أن يتم في تلك الجلسات إقرار قوانين تنظيم الحياة السياسية وربما تغيير الدستور لطرحه على الاستفتاء العام، ورغم أن التوقعات لا تصل إلى حد إفشال مثل هذه الخطوة لكن ما حدث بالأمس في مجلس الأمن يمكن أن يربك التحرك بهذا الاتجاه.

ربما سيكون شهر آب بأيامه أكثر من مجرد شهر للاحتجاجات، لأن الوتيرة الأمنية والسياسية تبدو متسارعة فيه، وهي تتجه نحو تشكيل الصراع على خارطة إقليمية بعد أن كانت محصورة في مسألة ردود الفعل التي واكبت الحدث وخلقت جملة من العوامل التي أثرت بلا شك المسار السوري الداخلي، وربما المطلوب عدم تجاوز الاستحقاقات السياسية رغم أن الوضع الأمني في سورية بات ضاغطا وأكثر حساسية، وأصبح من الضروري تعريف هذا العنف الذي وصل إلى الاغتيال السياسي وعدم اعتباره مجرد أحداث عابرة فما حدث في معرة النعمان اغتيال سياسي بكل المقاييس، وهو يمكن أن يشكل كرة متدحرجة لتشتيت أي قوة سياسية موجودة بالفعل وذلك قبل أي انطلاق لقانون الأحزاب...