ما يجري في سورية لا يحمل أي طرافة، فصحيح أن الآراء المتناثرة في كل مكان تدفع أحيانا للكآبة وأحيانا أخرى للذعر، لكن في المقابل هناك تجربة يخوضها "النشطاء" القادرون على تقديم صور تبدو مزعجة لكنها في عمقها تدل على نوعية التحول الذي يمكن ان نعيشه في ظل ما يحدث.

أحد هؤلاء كتب على صفحته على الفيس بوك عشية اللقاء التشاوري عن ضرورة الانتقال إلى "الخطة باء"، بالطبع فإن هذا الكلام يوحي بمجموعة سيناريوهات يتم تداولها منذ بداية الأزمة ويقودها أصحاب المدونات، وبالتأكيد لن أخوض في تفاصيل ما كتب لأن المهم هو عملية الانتقال إلى الخطة الجديدة، فهل يعني أن السيناريو السابق فشل؟ لا أعرف بالضبط نوعية الخطة ألف لذلك لن أناقش النتائج والمحتوى، ولن أتطرق إلى "الصراع" الحاد الذي ينتقل عبر "الشفاه" أو يتم سكبه في عبارات تنقل الوطن باتجاه مزاج افتراضي على شبكة الإنترنيت.

المهم أننا على ما يبدو دخلنا منذ بداية الأزمة في سورية ضمن "سياق أمزجة" استبقت الأحداث أحيانا، أو حتى تعاملت معها على نطاق الآراء التي تصب في محيط معين، رغم أن ما حدث يشمل سورية كلها ومن الصعب خلق اختصار للرأي أو وضعه ضمن وجهات نظر محددة، فإذا كان لهذه الأزمة من ميزة فهي تعبيرها عن كم وجهات النظر أو حتى "التصور" لنوعية الحدث، وهذا التصور يتم إسقاطه أحيانا على أرض الواقع فيتم تشكيل الوقائع وفق نظرة مسبقة.

في المقابل جاء المؤتمر التشاوري ليضعنا في فوضى الأفكار، ولا أعرف هل كان مخططا أن تكون المداخلة الأولى للدكتور طيب تزيني والثانية للدكتور محمد حبش، أم ان الأمر جاء بالصدفة، فإذا كان هذا الترتيب مقصودا فإنه وضعنا امام هالة من التناقض ما بين منهجي تفكير، أو ما بين تفكيك الحالة التي قام بها تزيني سواء اتفقنا معه أو اختلفنا، وبين حبش الذي اختلط على ما يبدو عليه الأمر فبتنا في "خطبة جمعة" لكنها ألقيت يوم الأحد... كيف حدث هذا ؟د. تزيني أراد الدخول إلى المفاهيم الفكرية المكونة للسلطة والدولة والمجتمع، وحبش دخل إليها من الطرف الآخر لثنائية الفكر والعاطفة مقدما خطابا نفسيا إن صح التعبير، والسؤال وفق منطق السيناريوهات: هل تمثل مداخلة تزيني "الخطة ألف" وخطاب حبش "الخطة باء" وذلك على مستوى من حضر المؤتمر لأن "النشطاء" قاطعوه؟!!

لا أعرف بالضبط كيف سيكون شكل الحوار المستقبلي طالما أننا نملك خططا بديلة يتم طرحها وكأننا أمام مسار شركة تخوض منافسة أو دولة تدخل حربا ضد أعداء يهددون وجودها، ففي كل ما شهدناه يبدو الأمر إما قلقا مرضيا تجاه ما يجري أو نوعا من استعادة الوجود الفعلي لأشخاص قادرين على التحدث دون حساب نتائج ما يجري، ففي المؤتمر التشاوري الذي كان من المفترض أنه يرسم آلية الحوار ومساره تم إقرار كل شيء وكأنه "توافق وطني" على وثيقة عامة مازلنا لا نعرف كيف ستنتج برامج عند مختلف الأطراف...

أتمنى أن أكون مخطئة في كل انطباعاتي لأنني لا أملك "الخطة باء" حتى أنتقل إليها في حال كان تصوري للنقاش الجاري حاليا صحيح.