هل أتحدث عن الحماسة في الزمن الرمادي؟ إنه الجيش الذي يرسم تاريخا أمامي فأشاهد في الأفق مسألة ربما يحاول البعض أن يتجنبها، لأن الجيش في النهاية لا يشكل معركة فقط أو حربا أو حتى صراعا مع "إسرائيل" على أهمية هذه المهام، فعندما أحاول تلمس تجمع للجنود ينطلقون فإنني أتعلم "رمز السيادة"، وربما القدرة على عزل كل ما يمكن أن ينهمر علي في الأخبار والبقاء في الصورة التي تعيد لمسألة الدولة رمزها.
في الجيش أكثر من مسألة "وحدات عسكرية" واختراق افتراضي يخلق كيفما يشاء انشقاقات، فهناك تراث نملكه رغم كل الصعوبات التي نفكر فيها عندما نحاول النظر إلى ما نملكه اليوم، فهو تراث نما في داخلنا عندما نفكر بأننا ولدنا كدولة على إيقاع الشهيد الأول في مسيرة الدولة السورية، فأن يستشهد وزير الدفاع في لحظات التكوين فإن الأمر لا يمكن أن يُكتب بطريقة مختلفة عن كلمات أصبحت تلخص رموزا مستمرة رغم غبار الفضائيات.
هل يرتسم الجيش إلا قلقا دائما في عيون الأمهات وهم يودعون أولادهم، فأجيال تلو أجيال تعلمت ان احد رموز المواطنة هو الخدمة الإلزامية، وأن الصعوبة النفسية التي ترافق أجيال الشباب وهم يفكرون في هذه الخدمة رسمت في الواقع ثقافة سورية. وفي العمق هناك صور لا يمكن نسيانها عندما نحاول التماسك للنظر إلى خلاصة المجتمع داخل مؤسسة واحدة، ثم يعيد المشهد رسم نفسه ليشكل تلك المحطات التي ظهر فيها الجيش عنوان القرار الوطني، فهو ليس عتادا محظور على سورية استيراده، وليس مخاوف من القدرة على رسم توازن عسكري، لأنه في النهاية يجسد الإحساس بأن هناك من يجمعنا لندافع عن وجودنا سواء في مراحل الصراع مع "إسرائيل"، أو في طور التحولات العنيفة إقليما أو ربما داخلية فيبدو الجيش عنوانا للجمهورية وللدولة التي تأسست لحظة قرر يوسف العظمة إعادة لملمة الجيش ومجابهة الجيش الفرنسي.
في الزمن الذي أصبح فيه "النجوم" ظاهرة لا تجتاح الفن بل وحتى الثورات، فإن مسألة تكوين الرموز تبدو أصعب وربما يريد البعض نسف ما نملكه من إرث نفسي أو حتى من قيم الجمهورية التي وضعت سورية على الخارطة وفق هذه الشاكلة، لكننا اليوم ربما نرسم ملامح أكثر وضوحا لسورية لأن الأزمنة القاسية تضعنا أمام الخيارات التي لا بد منها.. خيارات الخلق الصعب.. خيارات النظر من جديد إلى من نسيناهم داخل حدث كتبنا كمواطنين داخل الدولة... خيارات معانقة الوجوه التي تشعرنا بأن سيادة الدولة هي كرامتنا ووجودنا...
لماذا علينا أن نرى الجيش اليوم بعين مختلفة؟ ربما لأننا رغم الظروف التي تضربنا ندرك أننا نحمل مشهدا مختلفا يعيد لنا صورة لشباب مستمر منذ فجر الاستقلال وحتى اللحظة... عيد الجيش هو عيد الجمهورية والدولة والمجتمع رغم كل الصخب الهابط علينا....