على الحدث أن لا يقف دون محاولات الرؤية، وهل هذا ممكن وسط نوع من "الارتجاج" في كل المساحة السورية؟ أو هل نستطيع أن نقف في وجه "المادة الثالثة" من الدستور في زمن "الحمى" و "السعار" الذي يجتاح المنطقة بحجة الدين؟

هي مادة ربما لا تقدم الكثير فيما لو أبقيناها على سطح المجتمع، وهي أيضا موضوع صعب عندما تصبح بعض القنوات الفضائية مجالا للتجيش باتجاه واحد، ولكن المواطنة تبقى أهم من كل المسائل، فلا "ثورة" ولا "احتجاج" ولا حتى "إصلاح" يمكنه تجاوز كسر المواطنة عبر مادة في الدستور، رغم أن الكثير من أطراف المعارضة يطرح "الدولة المدنية"، فهل هي دولة بمرجعيتين؟ أم أننا قادرون على التآلف مع عهود "الدولة الريعية" حتى ولو كنا نعيش في القرن الواحد والعشرين؟

اليوم هناك من يتحدث عن أن القرار لصناديق الاقتراع، وأن الدستور الجديد الذي يحوي مادة خاصة بدين رئيس الدولة سيحدده الاستفتاء وليس أي "مزاج فكري" آخر، وهناك من يعتبر أن موضوع المادة الثالثة تطرح في غير زمنها، لكن مسائل "الانقلاب الثقافي" لم تعد ممكنة في عالم الاتصال المعاصر، فالتحولات الاجتماعية تتخذ اليوم منحى برغماتي لا يستطيع إصلاح الخلل في العلاقات داخل المجتمع الواحد، وهناك حلول لمسألة المواطنة يبتدعها أصحاب الجمعيات المدنية كل يوم، وفي النهاية سيبقى التكسير سيد مجتمع متعدد، ولكنه منفتح وفق "المناخ الإقليمي" وربما ينغلق على إيقاع الضغط أو التراكم أو عوامل التأثير الدولي.

إمكانية إنتاج دستور يعبر عن المرحلة ربما لا يحتاج فقط إلى توازن سياسي يبحث عنه البعض، بل إلى جرأة خاصة في جعل الثقافة مساحة تقدم وليس اعترافا بالأمر الواقع، وفي الاستفادة من تجميع المصالح والإرادة بدلا من فرض ثوابت لسنا متأكدين منها، فصناديق الاقتراع في مسألة الدستور تبدو في لحظة معينة وكانها استرضاء لحالة طويلة جدا، ومستمرة منذ مراحل ما بعد الاستقلال بقليل وحتى اليوم، فهل سنملك فرصة لتجاوز ما هو مألوف؟

اتجاهات كثيرة في المجتمع تنظر اليوم إلى الإيقاع السياسي للحدث، لكن المشرعين عليهم أن ينظروا لسوريا بعد أربع عقود أو أكثر، وربما أن يروا أجيالا تظهر وهي تملك دستور يعطي الحق لبعض من أبناء سورية ويحرمها لبعض آخر، ومن هذه النقطة فإن نقطة التحول في سورية هي في إدراك أن الموساومات السياسية لا تنقلنا نحو ثقافة جديدة، وأنها في النهاية محاولة للمراوحة بالمكان.

هو دستور جديد.. ووقت يمكن فيه نبش كل شيء كي نصبح مجتمعا يراعي الأجيال القادمة، ولا يكتفي بإرضاء من هم في القبور منذ أربع أو خمس قرون، فهل نحلم بالفعل بأن يضمن الدستور هذا الأمر؟ أو على الأقل يعترف بأننا نملك صورة تستحق موادا تترفع عن الظرف الحالي وتبحث في المستقبل؟