فليعلن من يريد استغرابه وسط حالة الذهول من "الواقع السوري"، ولتستفيد الجامعة العربية من واقع خاص لأنها في النهاية "ابنة الواقع الخاص"، ولكن في النهاية فإني سأبقى أردد: كلي إيمان"، لأن القتل والتدمير الذي نشهده اليوم ربما لا يختلف كثيرا عما عاصرناه في العراق ولكن من دون "جيش احتلال"، فهناك "دبلوماسية احتلال" تظهر يوميا في وجه الكثير من وزراء الخارجية العرب.

"الاحتلال الافتراضي" هو واقع على سورية سواء عبر الفضائيات أو القدرة على الانسياب داخل النسيج السوري ليجعله لوحة تجريدية، ولكن من قال أن السوريون لا يعشقون "التجريد"، أليس اختراع الأبجدية تجريد؟ هي مجرد فكرة عابرة لقدرتنا على الفهم رغم كل "السوريالية" التي تحيط بالمشهد السورية، ويقابلها الوزراء العرب بخطة أشبه بقصائد العصور الوسطى التي تم نظمها من أجل التسهيل على الطلاب.

المشكلة أننا في سورية أمام واقع ينتمي "رياضيا" للساحة العقدية، أو كما كان أساتذة الرياضيات يسمونها بـ"ساحة الأعداد التخيلية"، بينما الوزراء العرب ينتمون لزمن القبائل والأفخاذ والبطون، وبالتأكيد فهم يعرفون أن من لا يملك تاريخا وتراثا وتعقيدا في التكوين السكاني لا يمكنه أن ينتج حضارة، ويعرفون أن المجتمعات المعاصرة بقدر قدرتها على خلق الإبداع فإنها يمكن أن تتضرر بشكل عميق جراء عمليات "التسطيح" الوافدة عليها، وبهذه الصورة سارت "الخطة العربية" وتستمر اليوم، ولكن "كلي إيمان".

في صورة وزير الخارجية القطري والأمين العام للجامعة العربية إحراج حقيقي لكل من يريد أن يتعامل بالسياسة، فمؤتمرهم الصحفي ذكرني بطلاب الابتدائي عندما يحاولون تمثيل مقطع مسرحي، فيأتي مباشرا نتيجة "البراءة"، أما العربي وحمد فجاء مباشرا نتيجة العجز عن الإفصاح عن التفتت والتناقض الذي يضرب الوضع الإقليمي، ففي كل خطوة تسير فيها الجامعة ضربا من الجنون سيطال المستقبل وليس الحاضر، وكل تقرير تعده إحدى الفضائيات يشكل نوعا من النحيب و "شق الجيب" يعود بنا لمراحل الشعر الجاهلي.

هل أكملت دول "الرمل" كتابة "معلقتها" عن حروب الصحراء؟ يقينا لا أعرف، لكنني على الأقل أملك ذلك الإيمان بأننا كسرنا "الشعر التقليدي"، وأننا تجاوزنا رياضيات إقليدس، وأن عقلنا قادر على استيعاب "الدولة المعاصرة" في مواجهة "الإمارات" و "الخلفاء" واقتصاد الريع وسياسة القيام بـ"الغزوات"، و كلي إيمان بأن "القتل" و "الإرهاب" واحتلال المدن والقيام بكر وفر على طريقة بن لادن، حتى لو كان القائمون عليها لم يسمعوا به، لن تكون في النهاية هوية شعب كامل.

كلي إيمان بأن الدماء التي تسيل اليوم هي طريق الوصول إلى الصراع الفكري بدلا من "التكفير" والشتم والاقتداء بعباءة تفوح منها رائحة النفط، وكلي إيمان أيضا بأننا سوريون قادرون على رسم المستقبل بنفس القدرة التي يتم فيها اليوم تفتيت صورتنا ما بين مسلح ومعارض وموالي ووووو.......