عندما كان مصطلح "إدارة التوحش" يقابلنا فإننا بالتأكيد لم نكن نتصور بأن المسألة تتعدى حالات اجتماعية لن تصل إلى سورية، لكن عشرة أشهر من الأزمة السورية أثبتت إمكانية ظهور مثل هذا المصطلح ووفق وجهة نظر تنظيم القاعدة تحديدا، لكن هذا الأمر لم يتم بشكل تلقائي فهناك عملية مستمرة قادتنا إلى هذه المساحة، وربما عبر آلية سياسية أمريكية على وجه الدقة.

يمكن تلمس هذا الأمر عبر وجهة النظر الأمريكية بخصوص لجوء المعارضة السورية إلى السلاح، فهي تراها نوعا من نقل مساحة الحدث من "الاحتجاج السلمي" إلى "الانتفاضة المسلحة"، وهي تعتمد أساسا سياقا لسير الأمور بحيث لا نُصدم من نوعية التطور الذي ذهب بنا نحو "الاغتيال" ووصولا إلى التفجيرات والعبوات الناسفة، فحسب المنطق الأمريكي كان لا بد من التحول إلى العنف في مواجهة "القمع" الذي استخدمته السلطة بوجه المتظاهرين.

جدل الروايات حول ما حدث في سورية لا يقف عند الحدث بل أيضا إلى نوعية النموذج الذي تم تعميمه منذ البداية من خلال صفحات الإنترنيت، وهو بالتأكيد لم يكن عبثيا بل ربما سعى إلى إدخال الحدث في "إطار" محدد محاولا غلق منافذ التفكير حول "المساحة" الواسعة لما جرى في سورية، حيث لا يمكن تبني نموذجا خطيا في قراءة الحدث، وعلينا أن تذكر هنا ظاهرتين أساسيتين برزتا مع اندلاع الاحتجاجات:

•الأولى هي حرب المصطلحات، وذلك مع التفاوت الكبير في نوعية استخدام كل طرف لمصطلحاته، فالإعلام الرسمي استخدم كلمة "المندس" وهي سرعان ما غدت مجال تندر رغم أنها لا تدل على فئة محددة بقدر كونها كلمة تريد تجاوز غياب المعلومات فيما حصل، وبغض النظر عن ضرورة استخدام كلمة "مندس" أو عدم ضرورتها لكنها سرعان ما غابت على حساب مصطلح أقوى تم استخدامه من قبل صفحات الإنترنيت المعارضة عبر مصطلح "الشبيحة".

المصطلح الثاني لم يكن غائما لأنه في الشكل العام يتوجه إلى كل من يعارض حركة الاحتجاج، وبمعناه الخاص فإن السوريون يعرفون تماما أنه يتجه نحو فئة محددة وعلى الأخص أنه ظهر ليوضح سلطة خارج إرادة الدولة تتحكم بكل قراراتها، وبهذا الشكل بقي مصطلح "الشبيحة" يسير بشكل مواز لمفهوم الفوضى ويبرر "إدارة التوحش" أو "تحرير" المناطق من نفوذ الدولة.

بالتأكيد لا نستطيع أن نقيس كلمة "الشبيحة" كما استخدمت بسورية على "البلطجية" في مصر، فالأولى قدمت بشكل أو بآخر تصورا اجتماعيا كاملا يتجه نحو فرز مذهبي، ومازالت تستخدم اليوم وكأن "جيش الشبيحة" هو فرقة خاصة يتم استخدامها بشكل دائم. وتم سحب هذا الموضوع على أنشطة الحياة ليصبح الإعلام جزء من هذا التمييز.

•الثانية إدراج قوائم العار وكأنها "شرط" من شروط الحدث السياسي، ومن المفترض ان قوائم العار حالة معنوية لكنها في صفحات الإنترنيت أصبحت نوعا من "المرجعية الثورية"، وأصبحت حرية الموقف السياسي جزء من هذه القوائم التي حددت طريقة الفرز الاجتماعي بناء على نوعية الأسماء المدرجة فيها، ومن الطبيعي ان نصل اليوم إلى "الاغتيال" وفق هذه القوائم.

مسألة "قوائم العار" لم تظهر مبكرة فقط، بل هي لم تترك أيضا مجال تفكير للنخب التي تم إدراج أسمائها، فهناك تصور مسبق لوضعية العار حتى ولو لم يتم إعلان المواقف، حيث يكفي أن تتوقف للتفكير بالحدث لتجد أن اسمك مدرج فيها.....

عمليا فإن العلاقات التي تم "بلورتها" منذ اليوم الأول للحدث كانت تحمل معها تصورا مسبقا لـ"فراغ في السلطة" ولضرورة إيجاد هيئات بديلة فـ"موجات الشبيحة" تفترض قوى محلية تواجه الحدث وهذا الأمر حدث سريعا، وقوائم العار فرضت أيضا "سلطات" معرفية اغتصبت لنفسها حق تمثيل الشعب، وبشكل متفرق ودون تنسيق رغم وجود التنسيقيات!! فهل يمكننا بعد كل ذلك اعتبار ظاهرة "المعارضة المسلحة" غريبة عن الحدث السوري منذ أيامه الأولى؟ وهل يمكن أن نُغفل "إدارة التوحش" من كل ما حدث!!