عمليا فإن كل عمليات البحث داخل الأزمة السورية كانت تحمل "العوامل الداخلية"، ولكن إلى أي مدى يمكن الحديث عن تحولات داخلية لا تطال كل البنية الإقليمية؟! على العموم فإن البحث مع أطراف المعارضة على الطريقة التي سارت بها الجامعة العربية لم يكن يحمل معه ملامح داخلية فقط، رغم أن كل البنود التي قدمتها الجامعة متعلقة بالتحول الداخلي فكيف يمكن فهم هذا المسار؟!
القرارات الصادرة عن الجامعة العربية تعكس في الموضوع السوري أكثر من مجرد أزمة، فهي على ما يبدو "تحول" في الوظائف دون وجود ميثاق جديد، فاختراقات الجامعة العربية ليست جديدة، وإدارة خلافات العرب كانت أهم الوظائف التي تعامل معها الجامعة، محولة التناقض ما بين دولها إلى مكان لـ"تجميد الأزمات"، لكنه في النوذج السوري، وقبله الليبي بالتأكيد، تجاوزت حدود وضع "إطار" للخلافات إلى الدخول بشكل مباشر في رسم مساحات الصراع القائمة.
عمليا فإن كل عمليات البحث داخل الأزمة السورية كانت تحمل "العوامل الداخلية"، ولكن إلى أي مدى يمكن الحديث عن تحولات داخلية لا تطال كل البنية الإقليمية؟! على العموم فإن البحث مع أطراف المعارضة على الطريقة التي سارت بها الجامعة العربية لم يكن يحمل معه ملامح داخلية فقط، رغم أن كل البنود التي قدمتها الجامعة متعلقة بالتحول الداخلي فكيف يمكن فهم هذا المسار؟!
يمكن رد البدايات إلى عمليات الانقسام الحادة التي جرت في سبعينيات القرن الماضي، وظهور تحالفات إقليمية أدت لصراع ما بين السلطة في سورية والإخوان المسلمين، لكننا هنا سنكتفي بمجموعة عوامل برزت خلال الأزمة السورية الحالية:
إعطاء البعد الديمقراطي طابعا ممتدا، لكنه بالتأكيد لن يمس الخليج، فهناك تجاوز للصدمة من قبل دول مجلس التعاون بعد أحداث البحرين وحتى عُمان، وخروج بهذه الأزمة إلى محيط مختلف ظهرت فيه سورية كنقطة ارتكاز، فالمعارك في ليبيا كانت شبه محسومة منذ اللحظات الأولى لاندلاع أحداث بنغازي، إلا أن الوضع في سوري تداخل تصادم سياسي ومحاولات صعبة لإيجاد شرعية خارج دمشق، لكن في النهاية فإن بنيان سياسي متكامل تم إنشاؤه يمتلك توجها استراتيجيا تجاه المنطقة مناقض تماما لما هو قائم في سورية.
امتداد البعد الديمقراطي بالنسبة للجامعة العربية، أو تحديدا لدول مجلس التعاون الخليجي، كان صارما، فبداية الأزمة لم تكن توحي بحدة الانقلاب الذي تبلور مع شهر حزيران من العام الماضي، رغم أن جامعة الدول العربية لم تتدخل إلا بعد صدور الفيتو الصيني – الروسي، لكن سحب سفراء دول مجلس التعاون سبق أي خيار آخر وشكل افتراقا نهائيا وهو أمر لا يمكن تفسيره في ضوء البحث فقط عن تغيير في السياسة الداخلية السورية.
التردد في التعامل مع الملف السوري منذ البداية لا يعكس صورة كاملة لموقف الجامعة العربية، فهي أساسا كانت تتعامل وفق تقاليدها السياسية، وما دفعها باتجاه السعي لإحداث التغيير هو التجربة الليبية التي سارت بشكل سلس في المحافل الدولية، لكنها خلفت دمارا ومأساة حقيقية على الساحة الداخلية الليبية، وعند الحديث اليوم عن رفض التدخل الخارجي في سورية فإن الأمر لا يبدو مقنعا، وعلى الأخص أن هناك توازي بين المواقف الدولي وعمليات الضغط من الجانب العربي على الملف السوري.
الأزمة السورية اليوم تظهر في أروقة الجامعة وكأنها الخيط الأخير في الشكل التقليدي للنظام العربي كما عرفناه، فبعد انتهاء الأزمة ومهما تكن هذه النهاية، لكن الجامعة لا تستطيع البقاء على صورتها السابقة، ففي مراحل التصعيد والتوتر يمكن لطرف أن يفرض رأيه لكن في النهاية سيستقر الوضع الإقليمي وستجد الجامعة العربية أنها أصبحت بوظائف جديدة فهل يمكن أن تستمر بعدها! أم أنها بالفعل انتهت من مرحلة إدارة الخلافات إلى زمن تفجير الصراعات....