من يعتقد أن الإعلام السوري وحدة مستقلة فهو ينطلق من مساحات افتراضية، ومن منهج العزل ما بين ثقافة المجتمع والإنتاج الاجتماعي، فمهما حاولنا تحميل مؤسساتنا من الأخطاء لكنها في النهاية تعمل بالسوريين، والعلاقات التي تحكمها تعمل وفق منظومتنا الثقافية، والهجوم على الإعلام ربما يحتاج لقاعدة أوسع فنهاجم تلك الثقافة التي تحكم حياتنا بشكل عام.

منذ بداية الأزمة والهجوم على الإعلام مستمر، رغم أنه مر بكافة الأطوار التي مر بها أي مواطن عادي، وإذا كان من المفترض أن تُظهر المؤسسات الإعلامية قدرا أكبر من الوعي والقدرة على التحكم، إلا أن المشهد العام في النهاية سيربطها شئنا أم أبينا بمجمل حركة المجتمع، فمن منا لم يشعر بالإرباك والحيرة، ومن منا لم يحاول النبش عما يحدث دون القدرة على فهم العلاقة القائمة داخل الحدث السوري، فالإرباك كان سمة اجتماعية، والغريب أن الحدث كان من الداخل السوري.

من الإرباك إلى محاولة التقصي كان الأمر يتطور ليس فقط داخل الإعلام السوري، بل داخلنا ونحن نحاول فهم ما يجري وسط "قصف" إعلامي مركز من قبل كل المحطات الفضائية، وفي تلك اللحظات كنا نسترجع تراثنا وذاكرتنا، وربما بلور أي واحد منا موقفه وفق هذا خبرته السابقة، فحتى المعارضة بنت قراءتها وفق هذا التصور، والإعلام السوري بدوره استرجع تجربته أو ربما استنسخها.

اللغة الإعلامية في مرحلة "وضوح المواقف" كانت أيضا سمة عامة تجمع وسائل الاتصال مع أساليب التعبير للأفراد، ويكفي أي شخص أن يراجع ما يقال على التويتر أو الفيس بوك ليجد أن كافة الشرائح على اختلاف مواقفها تحمها طريقة تفكير واحدة، فكيف يمكن ان نلوم الإعلام و "غلاة" المطالبين بالتغيير يحملون نفس المصطلحات ولكن موجهة نحو طرف آخر.

هل أتحنا لإعلامنا في ذروة أزمة قاسية فرصة تكوين "وعي" مختلف؟! أشك بذلك فعلى مختلف سويات المسؤولية السياسية أو الاجتماعية فإننا استعدنا "المخزون" الذي نملكه دون البحث عن وسائل الجديدة أو طريقة تعبير قادرة على الانطلاق خارج إطار تقليص "الإرادة" الاجتماعي و "الوعي" الاجتماعي ضمن نطاق الموقف الشخصي.

لا تلوموا الإعلام السوري، رسميا كان ام خاص، فهو لن يستطيع تكسير قيود الثقافة المفروضة عليه، ولم تحاول أي مجموعة أن تساعده على القيام بهذا الأمر... بل ربما علينا الإعراب عن "الدهشة" لأنه بقي قادرا على الاستمرار وربما القيام ببعض المهام الاستثنائية في ظروف قاسية.. قاسية.. جدا.