في ظل عدم اليقين فإن أوهام الحوار يتم إعادة تأسيسها من جديد، وإذا كان "الحوار" هو المخرج الوحيد، وهو بالفعل كذلك، إلا أننا مضطرون لمعرفة ما هو ممكن وما هو مستحيل،
للخروج من "أوهام الحوار" نستطيع أن نقرأ الأزمة السورية من جديد، فعلى امتداد عامين لم تكن هناك أي "حتمية" فيما يحدث، والمسألة لم تكن صراع إرادات بالمعنى التقليدي، وما يتم الحديث عنه من "تعقيدات" أو عدم القدرة على قياس الأزمة السورية بما حدث في بلدان ما يسمى بالربيع العربي، هو في جوهره أن الحدث الذي شهدناه لا يملك قواعد في حركته، وهو يشكل يوميا اضطرابا جديدا، فكيف سيكون الحوار إذا لم نخرج من وهم الوصول إلى نهاية واضحة؟!
عمليا فإن الأزمة خرجت عن السيناريوهات المرسومة من كل طرف، فهي لم تنته كما توقع البعض بعد ثلاثة أشهر من اندلاع الاحتجاجات، وهي لم تستطع إحداث تغيير جذري ولم تتوافق مع التصريحات التي كانت تنطلق حول "سقوط النظام"، فهناك عجز عن النفاذ إلى آلية الأزمة للتحكم بها، وإضافة عوامل إليها مثل الفيتو الروسي أو الصيني لم يكبح أيا من التحولات التي عاشتها سورية، وربما نحتاج قبل أي حوار للنظر للأزمة على أنها مجال مفتوح، فنحن أمام تحولات متتالية تحمل معها امرين:
– أولا عدم وجود مقدمات ونتائج، فالاحتجاجات التي انطلقت بعناوين "الاستبداد" وصلت باتجاه تنظيمات أوصولية تملك "الميادرة" في مقابل فصائل معارضة لا تملك سوى إعلان المواقف، وربما لا يختلف واقع السلطة السياسية عن هذا الأمر في وإن كانت قادرة على التعامل مع مؤسسات الدولة، لكنها في المقابل لم تستطع حتى اللحظة التحكم بالمناخ السياسي الناشىء حديثا رغم أنها سنت قوانين لتنظيمة.
– الثاني صعوبة التنبؤ بالتحولات الدولية تجاه الأزمة، فرغم أن هناك مشهد انقسام ما بين موسكو وواشنطن، لكن هذه الصورة المبسطة فيها احتمالات كثيرة في ظل وضع عالمي يملك أكثر من أزمة مفتوحة، فسورية لن تكون بالضرورة مساحات للتوازنات الدولية، والاحتمال الآخر هو أن تصبح جغرافية للضغط من قبل جميع الأطراف.
في ظل عدم اليقين فإن أوهام الحوار يتم إعادة تأسيسها من جديد، وإذا كان "الحوار" هو المخرج الوحيد، وهو بالفعل كذلك، إلا أننا مضطرون لمعرفة ما هو ممكن وما هو مستحيل، وربما نقتنع بأننا لن نكون أمام حالة نهائية طالما أن سورية تتأرجح على مساحات من الاحتمالات التي يصر البعض على تجاهلها ومحاولين اقناعنا بأن الجلوس على طاولة واحدة سينتهي إلى صناديق الاقتراع!!
ربما تشكل طاولة الحوار نقطة انطلاق لمناقشة كافة الاحتمالات، أو لإدراك أن سورية لن يقرر مصيرها صناديق الاقتراع فقبل ذلك هناك بحث سيجري عن طرق التحكم بالأزمة، أو حتى السؤال هل يستطيع المتحاورون القيام بذلك؟!
حتمية الحوار ليست مسألة نهائية هي البدايات التي ربما ستفتح احتمالات جديدة.