مع بداية الأزمة السورية لم يعد يالإمكان النظر إلى مستقبل بعض المسائل على نفس السياق السابق، وما يحدث اليوم في الشمال الشرقي لسوريا يفتح الباب واسعا للتفكير بطبيعة التحولات القادمة، على الأخص أن الموضوع الكردي يختلف في مساحته وتفاصيله عن أي شأن آخر مرتبط بالأزمة السورية.

ويبدو المكون السياسي الكردي عبر أزمة امتدت عامين ونصف مختلفا في طبيعته عن المراحل السابقة، وهو أيضا يتحرك بشكل لا يقارب الشكل الموجود في كردستان العراق رغم وجود تأثيرات كبيرة للأقليم على بعض أكراد سوريا، وبغض النظر عن التصريحات الصحفية أو الحدث عن مناطق حكم ذاتي أو حتى القلق من خسارة سورية لبعض جغرافيتها فإننا في الواقع أمام أمرين أساسيين:

 الأول أن السوريين من الأكراد والمتواجدين في الشمال الشرقي لسوريا تحولت مسألتهم منذ اليوم الأول للأزمة باتجاه جديد، فبعد سنوات من الصراع من أجل "الحقوق الثقافية" و "السياسية" في بعض الأحيان، أصبحوا ضمن مشهد جديد يعيد طرح سؤال أساسي حول موقعهم من مجمل الخارطة الإقليمية، وإذا كانوا خلال العقود السابقة في هامش المسألة الكردية التي تمركزت ما بين شمال العراق وجنوب تركيا، فإنهم اليوم وفي ظل الأزمة السورية يواجهون سؤال أساسيا حول قدرتهم على التأثير القوي في صورة المنطقة وفي إعادة إنتاجها من جديد.

 الثاني هو الجغرافية التي يتواجدون عليها ضمن الحدود السورية، فهذا الخط الفاصل ما بين سورية وتركيا بالمعنى الجيوسياسي يشكل "منطقة صدع" فهي نقطة اختلاط حضاري وحروب وتداخل سكاني، وهي منطقة مقلقة بشكل عام سواء سيطر الأكراد عليها أو كانت بيد شرائح سكانية أخرى، فالتوازن القلق في هذه المناطق لم شهد استقرار إلا في مراحل الأمبرطوريات الكبرى، عندما كانت هذه الجغرافية خارج أي حدود أو تماس بين قوتين مؤثرتين.

عمليا فإن هذا الخط الفاصل اشتعل منذ أن اتاحت الحكومة التركية استخدامه في تهريب الأسلحة والمقاتلين، ورغم أن منطقة الجزيرة شهدت احتجاجات على امتداد أشهر دون سقوط قتلى وجرحي، لكنها تحولت بعد ذلك إلى ساحة تقاسم نفوذ واقتتال منذ دخول التمرد المسلح إليها بغطاء تركي، فكيف يمكن أن تتحول الصراعات فيها في ظل الأزمة السورية؟ الواضح حتى اللحظة أن قراءة التحرك الكردي هي المسيطرة على معظم التحليلات، لكن عمق المسألة يتجاوز الأكراد لأنه يمكن أن يرسم خرائط سياسية جديدة تهدد حتى الشكل السياسي التقليدي الذي ظهر في أقليم كردستان العراق.

في شمال شرق سورية اليوم تظهر النقطة الأصعب في مجمل الأزمة السورية، فالامتداد الحقيقي سيكون من هناك طالما اننا أمام جغرافية تملك اتصالا سكانيا مع كافة الدول المحطة بسورية، فعند تلك التقطة يبدأ الضغط باتجاه العراق وتركيا وحتى السعودية، ومنها أيضا يمكن ان نفكر من جديد بأن الأزمة السورية على ما يبدو لا يمكن حلها بتصور واحد لسورية بل لكل التكوينات السياسية التي تدخلت في الأزمة فتجاوزتها الحسابات الاستراتيجية، فنحن اليوم لسنا امام تقسيم بل تصور جديد للمنطقة يتجاوز صعوبات تاريخية، أو يغرقنا في حرب طويلة على طول خطوط "الصدع" المحيطة بسورية.