شاركت "الخوذ البيضاء" في كانون الأول - ديسمبر 2016، بالتوقيع على مطالب الجهاديين الذين حاصروا دمشق، وقطعوا عنها مياه الشرب. إن حرمان المدنيين من الوصول إلى الماء، هو جريمة حرب.

قصفت الولايات المتحدة، وفرنسا، والمملكة المتحدة سوريا ليلة 13 إلى 14 نيسان- أبريل 2018. هذه العملية التي تشكل اعتداءا صارخا على القانون الدولي، تم تقديمها على أنها رد من الحلفاء على قيام الجمهورية العربية السورية باستخدام مزعوم للسلاح الكيماوي.

بيد أن وزير الدفاع الأمريكي، الجنرال جيمس ماتيس صرًح أنه ليس لديه دليل على هذا الاتهام، لكنه يرتكز في اتهامه إلى "مقالات صحفية موثوق بها".

في عام 2011، ارتكز المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، لويس مورينو أوكامبو، أيضا على مقالات صحفية - تم دحضها كلها حاليا – في إصدار مذكرة توقيف دولية ضد معمر القذافي، لتبرير تدخل حلف شمال الأطلسي.

وفي عام 1898، اعتمدت الحكومة الأمريكية بشكل مماثل على "مقالات صحفية ذات مصداقية" من صحف تابعة لويليام راندولف هيرست [1] لإطلاق الحرب الإسبانية –الأمريكية، ليتبين في وقت لاحق أن جميع تلك المقالات كانت كاذبة تماما [2].

ترتكز "المقالات الصحفية الموثوقة"، التي يشير إليها جيمس ماتيس، إلى أقوال صادرة عن منظمة " الخوذ البيضاء" البريطانية غير الحكومية، التي تقدم نفسها ك "رابطة إنسانية" ، هي في الواقع طرف في النزاع. شاركت بشكل رسمي في العديد من العمليات الحربية، منها قيامهم بقطع مياه الشرب عن 5.6 مليون نسمة من سكان دمشق خلال فترة امتدت حوالي أربعين يوماً [3].

بثت كل من روسيا وسوريا، قبل ساعات قليلة من قصف الحلفاء، شهادة رجلين، كانا حاضرين في مستشفى دوما خلال الهجوم الكيميائي المزعوم. شهد الرجلان أن الهجوم كان مسرحية، ولم يحدث أبدًا [4].

وكما كان عليه الحال في القرن التاسع عشر، بوسع الصحفيين اليوم التلاعب بالدول، والمحكمة الدولية، لدفعهم إلى إسقاط نظام ما، أو قصف دول أخرى.

لهذا السبب ، يدعي جزء من وسائل الإعلام في البلدان الديمقراطية أنهم يشكلون "السلطة الرابعة"، على الرغم من عدم شرعيتها لأنها غير منتخبة.

إن وسائل الإعلام التي تملك هذه الإمكانية، مملوكة لرأسماليين كبار لديهم علاقات واسعة مع المسؤولين السياسيين، الذين يزعمون أنهم كانوا مُسممين بمقالاتهم " الموثوقة". وكان وليام راندولف هيرست، على سبيل المثال، صديق مقرب من الرئيس الأمريكي وليام ماكينلي، الذي يطمح إلى إطلاق الحرب الاسبانية الأمريكية وقد أعلنها.

في نهاية الحرب العالمية الثانية، أصدر الاتحاد السوفييتي وفرنسا عددا من القرارات التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، تدين بروباغندا الحرب [5]. وقد تم تدوينها في القانون المحلي للدول الأعضاء.

نظريا، ينبغي ملاحقة الصحفيين الذين يشاركون في هذا النشاط.

ومع ذلك، الأمر ليس على هذه الحال، لأنه من الناحية العملية، فقط الدول لديها القدرة على إطلاق هذا النوع من الإجراءات القانونية. لذلك فإن بروباغندا الحرب محظورة، لكن في الوقت الراهن لا يمكن وفق القانون المحلي تجريم سوى الصحفيين المعارضين الذي لايملكون المقدرة على شن حروب، وليس الدول التي تقودهم.

ترجمة
سعيد هلال الشريفي

[1Citizen Hearst: A Biography of William Randolph Hearst, W. A. Swanberg, Scribner’s, 1961.

[2Public Opinion and the Spanish-American War: a Study in War Propaganda, Marcus Wilkerson, Russell and Russell, 1932. The Yellow Journalism USA, David R. Spencer, Northwestern University Press, 2007.

[3“"منظمة غير حكومية إنسانية" تحرم 5.6 مليون مدني من المياه”, ترجمة سعيد هلال الشريفي, شبكة فولتير , 10 كانون الثاني (يناير) 2017, www.voltairenet.org/article194898.html

[4“شهادات تدحض اتهامات الخوذ البيضاء”, ترجمة سعيد هلال الشريفي, شبكة فولتير , 15 نيسان (أبريل) 2018, www.voltairenet.org/article200690.html

[5« Les journalistes qui pratiquent la propagande de guerre devront rendre des comptes », par Thierry Meyssan, Réseau Voltaire, 14 août 2011.