بناء على تعليمات من حكومة بلادي، أنقل إلى عنايتكم ما يلي:

قبل ما يزيد على ست سنوات، اعتمد مجلس الأمن، في اجتماعه المنعقد على مستوى القمة بتاريخ 24 أيلول/سبتمبر 2014، القرار 2178 (2014) الخاص بالتصدي لظاهرة المقاتلين الإرهابيين الأجانب. وقد مثّل اعتماد هذا القرار تطوراً هاماً في الصكوك الدولية المتعلقة بمكافحة الإرهاب، ومنح الأمل بإمكانية تعزيز الجهود الدولية وتنسيقها للتصدي لهذه الظاهرة التي تمثل تهديداً خطيراً للسلم والأمن الوطني والإقليمي والدولي.

وكما هو معلوم، فقد طالب القرار جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالتعاون، وفقاً لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، في بذل الجهود لمواجهة الخطر الذي يمثله المقاتلون الإرهابيون الأجانب، وذلك بوسائل شتى من بينها منع نشر الفكر المتطرف الذي يفضي إلى الإرهاب وتجنيد المقاتلين الإرهابيين الأجانب، بمن فيهم الأطفال، ومنع المقاتلين الإرهابيين الأجانب من عبور حدودها، وتعطيل ومنع تقديم الدعم المالي إلى هؤلاء المقاتلين، ووضع وتنفيذ استراتيجيات لمقاضاة العائدين منهم أو إعادة تأهيلهم وإدماجهم.

واليوم، وبعد انقضاء هذه السنوات الطويلة، لا يزال المقاتلون الإرهابيون الأجانب يشكلون تهديداً عالمياً رئيسياً، وهو الأمر الذي أكده معالي الأمين العام في تقريره الأخير ذي الصلة (S/2021/98)، ويعزى ذلك إلى إخفاق حكومات الدول الغربية التي يحمل هؤلاء الإرهابيون الأجانب جنسيتها في الوفاء بمسؤولياتها، إذ إنها تعاملت مع متطلبات القرار 2178 (2014) بانتقائية بالغة، وسعت للتنصل من التزاماتها القانونية وتغليب مصالحها الأنانية الضيقة على حساب دماء ومعاناة الملايين في الدول التي استهدفها الإرهاب وعاث فيها الإرهابيون الأجانب العابرون للحدود قتلاً ونهباً وتدميراً، ومنها بلادي.

ولقد كانت بلادي، سوريا، ضحية لحرب إرهابية زجت فيها حكومات دول معروفة للقاصي والداني آلاف الإرهابيين الأجانب الذين جندتهم واستقدمتهم تلك الحكومات من شتى أنحاء العالم وقدمت لهم الدعم العسكري والمالي والسياسي والإعلامي. وبالرغم من مطالباتنا المتكررة على مدى السنوات الماضية لمجلس الأمن بالنهوض بمسؤولياته في حفظ السلم والأمن الدوليين ومساءلة حكومات الدول الراعية للإرهاب وإلزامها بالكف عن الاستثمار في الإرهاب واستعادة رعاياها من الإرهابيين الأجانب، فقد عمدت حكومات دول غربية لتسييس المسألة والتهرب والمماطلة، لا بل اتخذت بعض الحكومات الغربية إجراءات على الصعيد الوطني تحول دون عودة رعاياها من الإرهابيين من أماكن وجودهم بما في ذلك إسقاط الجنسية أو إلغاء جوازات السفر أو منع الدخول، كما كان عليه الحال بالنسبة للمملكة المتحدة، أو القبول بدخول الأطفال من أبناء الإرهابيين الأجانب حصراً بعد فصلهم عن أمهاتهم وذويهم، كما هو الحال بالنسبة لبلجيكا.

وبالمقابل، بادرت بعض الدول المؤمنة بالقانون الدولي ومبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة بالتواصل مع الحكومة السورية لاستعادة رعاياها من الإرهابيين الأجانب وأطفالهم، تمهيداً لمساءلة مرتكبي الجرائم منهم وإعادة تأهيل وإدماج ذويهم وأطفالهم. وقد نجح هذا التعاون مع الاتحاد الروسي وكازاخستان وطاجكستان وعدد من دول آسيا الوسطى وغيرها في ضمان عودة المئات من ذوي الإرهابيين الأجانب إلى بلدانهم.

وفي هذا السياق، تعرب الحكومة السورية عن تقديرها للاتحاد الروسي وكازاخستان على انخراطهما البنّاء وتنظيمهما لجلسة غير رسمية لمجلس الأمن وفق صيغة آريا بتاريخ 29 كانون الثاني/يناير 2021 حول ”الأطفال والنزاع المسلح - إعادة الأطفال إلى أوطانهم من مناطق النزاع“. وتأسف بلادي لسعي بعض ممثلي الدول الغربية كبريطانيا وأيرلندا لحرف الجلسة عن أهدافها واتخاذ مواقف عدائية والترويج لادعاءات غير واقعية وليس لها أي أساس من الصحة.

وتذكر الجمهورية العربية السورية بأنها أعلنت مراراً عن استعدادها وانفتاحها على التعاون مع جميع الحكومات الجادة والمنظمات الإنسانية لإعادة الرعايا الأجانب إلى بلدانهم وفقاً للقانون الدولي. وتشدد على أن جهود استعادة المقاتلين الإرهابيين الأجانب وعائلاتهم يجب أن تتم بالتعاون التام والتنسيق المسبق مع الحكومة السورية. كما تؤكد سوريا على أن التواصل مع التنظيمات الإرهابية والميليشيات الانفصالية أو تمويلها أو تقديم رشاوى لها لتهريب الإرهابيين أو ذويهم إلى دول مجاورة، وإرسال ممثلين عن حكومات بعض الدول للاجتماع بتلك التنظيمات والميليشيات، يمثل انتهاكاً للقانون الدولي ولأحكام الميثاق ولقرارات مجلس الأمن ذات الصلة التي تؤكد على الالتزام القوي بسيادة سوريا واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها.

وتذكر بلادي في هذا السياق برسالتها الموجهة إليكم المؤرخة 27 كانون الثاني/يناير 2021 (S/2021/89)، حول تسلل وفود غربية بشكل غير شرعي ومن دون موافقة الحكومة السورية المسبقة إلى مناطق شمال شرق سوريا، وتلفت الانتباه إلى أن ”القيود المفروضة على السفر في سياق جائحة كوفيد-19“ والتحديات الأخرى التي أشارت لها الفقرة 44 من الفرع ثالثا-باء من تقرير الأمين العام (S/2021/98) لم تحُل دون تسلل تلك الوفود الغربية بشكل غير شرعي إلى داخل الأراضي السورية، الأمر الذي يؤكد سوء نية تلك الوفود والحكومات التي يتبعون لها وإمعانها في انتهاك السيادة السورية، وهو ما يدفعنا للتأكيد مجدداً على ضرورة إعلاء مبادئ القانون الدولي وأحكام ميثاق الأمم المتحدة وصكوك مكافحة الإرهاب بما فيها القرارات 2170 (2014) و 2178 (2014) و 2253 (2015)، ومبادئ العلاقات الودية والتعاون بين الدول، ووضع حد لهذه الانتهاكات والمساءلة عنها.

وآمل إصدار هذه الرسالة كوثيقة من وثائق مجلس الأمن.