الحسيني يرى الورقة البيضاء معيار وجود إرادة لبنانية مستقلة
لم يجد الرئيس حسين الحسيني مجالاً لأي معركة انتخابية على رئاسة مجلس النواب، فأعلن انسحابه بعدما لقي اجماعاً من حركة أمل وحزب الله على الرئيس نبيه بري رافقه رضى إيرانيه وسوريه، ودعم دولي عبرت عنه فرنسا التي حمل سعد الحريري مباركتها التجديد للرئاسة الثانية، أما الأميركيون فلا يبدو أنهم يولون شخص الرئيس أهمية كبرى، خصوصاً ان اختياره يتم من قبل النواب اللبنانيين، فيما يتركز الاهتمام الأميركي على مسألة التدخل السوري في لبنان والعراق، ومستقبل سورية عموماً، أما القرار 1559 فهو برسم الحكومة المقبلة وأطراف اقليمية أخرى في مقدمهم سورية.

لم يزد الرئيس الحسيني على بيانه واعتبر أن انسحابه ليس تهرباً من المسؤولية بل قمة المسؤولية التي يطرحها على كل النواب، الورقة البيضاء هي في مواجهة التدخل الخارجي في انتخاب رئيس المجلس وهي ضد الاستسلام للفئوية الطائفية، ورأى ان الانسحاب تسهيل للاقتراع بالورقة البيضاء وتعبير عن الإرادة اللبنانية. لكن هذا الانسحاب يطرح سؤالاً, هل ان الحسيني قد خطا باتجاه الخصومة السياسية لما يمثله الرئيس بري سياسياً؟

في المقابل يجهد النائب سعد الدين الحريري لكي تطل المعارضة على اللبنانيين موحدة, إذ ليس فألاً حسناً ألا تصب أصوات نواب تيار المستقبل واللقاء الديمقراطي وقرنة شهوان في اتجاه واحد، في استحقاق رئاسة مجلس النواب غداً، فالمعارضة التي خاضت الانتخابات النيابية وحصدت الغالبية في عدد المقاعد، تبدو أمام تحدي استمرار التحالف السياسي فعدم الاتفاق على إعادة انتخاب نبيه بري مجرداً لرئاسة مجلس النواب، يطرح تساؤلات حول مدى قدرة هذه المعارضة على التماسك في الاستحقاقات السياسية المقبلة، ويكشف بوضوح عدم وجود برنامج تتفق عليه للمرحلة المقبلة، خصوصاً أن إعادة انتخاب الرئيس بري كانت محل اتفاق سبق الانتخابات النيابية بين أطراف الحلف الرباعي كما يدعي أكثر من مصدر في حزب الله وحركة أمل، وفي رأي البعض أن الاتفاق على استحقاق رئاسة المجلس كان أنجز بين جنبلاط وأمل وحزب الله من دون الحريري الذي عاد وانضم إليه لاحقاً. فيما يصف مصدر سياسي شيعي معارض لبري, ان دفتر الشروط الذي وقعه بري للحريري هو مؤشر على ان مجيء الرئيس بري الى الرئاسة الثانية إضعاف للطائفة الشيعية. وهذه الشروط تنطوي على إقرار بأن الرئيس بري كان أحد رموز الفساد في المرحلة الماضية.

السؤال الذي يزيد من إرباك نواب لقاء قرنة شهوان ان ما يشبه الاجماع لدى النواب المسلمين على انتخاب الرئيس نبيه بري، قد أحرجهم وجعل من اللقاء في موقع إما إكمال مسيرة الاعتراض على عودة الرئيس نبيه بري، أو الانسجام مع قرار الحريري وجنبلاط تأييد هذه العودة.

وكلا الموقفين يحمل من النتائج السياسية التي لا تفيد هذه القوى.

فالانسجام مع الحريري وجنبلاط في التجديد للرئاسة الثانية سيعزز من موقع المنافس في الساحة المسيحية، فيزيد من التكريس الشعبي والكنيسة لزعامة العماد ميشال عون، باعتباره المدافع الأول والصادق عن الشعارات الأساسية للمعارضة وانتفاضة 14 آذار، ومن ناحية ثانية سيساهم في تعزيز موقع العماد عون كشاهر حربة ضد الفساد. وما يثبت من هذه المقولة ان الاتصالات والزيارات من قبل اكثر من سفير ومسؤول في دول غربية قد زادت في الأيام الأخيرة لعون وهي تأتي في سياق الإطلاع على رؤيته لمكافحة الفساد وإصلاح الدولة ومؤسساتها.

الخيار الثاني الذي قد تعتمده المعارضة اي عدم التصويت لبري، ستكون نتيجته الاولى انقسام المعارضة طائفيا، امام اول استحقاق يواجهها في مجلس النواب، ولكن في الوقت نفسه قد يعجل موقف التأييد لبري وخصوصا من "القوات اللبنانية" في الاسراع بفتح دورة استثنائية لمجلس النواب تمهيداً لإصدار قانون العفو في حق قائدها سمير جعجع فيما الإعتراض المسيحي على بري سيؤجل الإفراج عن جعجع الى تشرين الأول المقبل موعد افتتاح الدورة التشريعية في المجلس بعدما حسم أمر العفو.

في كل الأحوال تفتح عودة الرئيس نبيه بري مرحلة جديدة في مسار قوى المعارضة، فيما ستحمي هذه العودة ولاية الرئيس اميل لحود، وسوف تشهد المعارضة حالة من التشرذم والإنقسام في مواجهة الإستحقاقات التي تلي، ومنها تشكيل الحكومة ومسألة التمثيل المسيحي فيها، وسوف تكشف بوضوح تصدع شعارات التغيير والإصلاح التي حملتها المعارضة في 14 آذار لحساب تركز المرجعيات الطائفية وتثبيتها في موقع الناطق باسم طوائفها في مجلس الوزراء ومجلس النواب ما سيمهد لتوازنات سياسية طائفية، تجعل من هذه المرجعيات متماهية مع طوائفها التي أجمعت عليها، اذ لم يعد من اليسير القول ان وليد جنبلاط هو رجل غير الطائفة الدرزية وكذلك بالنسبة لسعد الحريري والسنة ونبيه بري والشيعة، وميشال عون والموارنة.

وبالتالي فإن التعرض لأي من هذه المرجعيات لا ينفصل مطلقا عن التعرض لعموم الطائفة او المذهب. هذا ما قاله تأييد الرئيس بري لرئاسة مجلس النواب، وهذا ما يرجح ان يشهده لبنان في المرحلة المقبلة. تقويض اي مشروع للإصلاح يمهد لنظام المحاصصة الذي يتلاءم مع فيدرالية الطوائف التي تتثبت كقاعدة للحياة السياسية في الحاضر والمستقبل. وهذه المرة تتعزز هذه الفيدرالية بقوة شيعية وتترافق مع تهويل بالحرب، وابتزاز بأن البلد سيشهد حربا سنية شيعية فيما لو لم ينتخب الرئيس نبيه بري، هذا التهويل والإبتزاز يمارسها حزب الله ضد اللبنانيين ويستخدمها تحالف جنبلاط والحريري لتعزيز موقعه داخل الشيعة وفي نظام المحاصصة المستمر.

مصادر
صدى البلد (لبنان)