سياق زيارته الأخيرة للولايات المتحدة نقل نواب أمريكيون، بحسب صحيفة الحياة، عن إبراهيم الجعفري، زعيم حزب الدعوة الإسلامية وصاحب حقوق الطبعة الأولى من العمليات الاستشهادية في صيغتها الحديثة، نقلت عنه قوله إن بغداد «تتمسك بعلاقات وثيقة مع واشنطن ولو خاضت أمريكا مواجهة عسكرية مع إيران»،

أما بالنسبة لسوريا، فقد ذهب إلى أن الضغوط الدولية قد أرغمتها على الانسحاب من لبنان، وإن «حملة مماثلة قد ترغمها على ضبط الحدود مع العراق»، كما دعا إدارة بوش إلى إبقاء الضغط على دمشق!!

هذا هو المنطق السياسي الذي يتحدث به مجاهد الأمس عن البلدين الذين وفرا له المأوى والدعم خلال سنوات طويلة من صراعه مع النظام الحاكم في العراق، في موقف لا ينسجم مع الحد الأدنى من المروءة والشهامة، لاسيما حين يأتي في ظل شكواه من الاستخفاف الأمريكي به وبحكومته كما تسرب من خلال مقربين منه، حيث ما يزال السفير الأمريكي، أو الحاكم الأمريكي بتعبير أدق، يمسك بالملفين الأهم؛ الأمني والنفطي، فيما تتكفل حكومة الجعفري بالمهمات القذرة للاحتلال ممثلة في مطاردة المقاومة وممارسة العقوبات الجماعية بحق المناطق التي تحتضنها، إلى جانب «الخصخصة الطائفية» لمؤسسات الدولة العراقية.

نتذكر هاهنا أن الائتلاف الذي يمثله الجعفري في رئاسة الوزراء قد خاض الانتخابات على أساس التعهد بسحب القوات الأجنبية من العراق بعد الفوز، وهو ذات المنطق الذي استخدم في سياق تبرير الانخراط في العملية السياسية التي رتبها الاحتلال.

لم يف الجعفري بتعهداته، فقد أدرك بعد انخراطه في اللعبة أن المسألة ليست بهذه البساطة، وأن الأمريكان لم يكونوا مقاولي حرية وديمقراطية، كي يقال لهم شكر الله سعيكم، تفضلوا وانصرفوا. هنا وبدلاً من أن يفضح اللعبة بادر إلى التواطؤ معها عبر القبول بالتبعية للاحتلال والتعامل مع هواجسه واشتراطاته، حتى لو خالفت القيم التي كان يبشر بها في زمن الجهاد ضد الظلم والدكتاتورية.

ربما كان الموقف من إيران أخلاقياً أكثر منه سياسياً، حتى لو قيل إن طهران لن تتوقف عنده كثيراً بدعوى المناورة السياسية، أقله في الوقت الراهن، وحيث يستبعد أن تلجأ واشنطن إلى معالجة عسكرية للملف النووي الإيراني، لكنه في الحالة السورية يتجاوز ذلك نحو التحريض العلني على بلد عربي مستهدف على مختلف المستويات من قبل المشروع الصهيوني الأمريكي.

من الصعب أن يسأل إبراهيم الجعفري نفسه عن السبب الذي يمكن أن يدفع سوريا إلى التسامح مع تسلل المسلحين إلى العراق، أو وصول الدعم والإسناد إليهم، ذلك أنه يدرك الإجابة تمام الإدراك، لاسيما في ظل قرار التمديد لقوات الاحتلال، ومعه التوجه نحو تحمل المسؤولية الأمنية عن الاحتلال.

إنه يدرك إذن أن ما يجري هو مخطط أمريكي يستهدف المنطقة، وفي مقدمتها سوريا وإيران، ومن بعدها الدول الأخرى، لكن ذلك لا يدفع المجاهد الكبير إلى إعادة النظر فيما يجري، بقدر ما يدفعه نحو التقرب من واشنطن ولو من خلال التنكر لإيران أو المزيد من التحريض على سوريا، بصرف النظر عن تاريخهما القديم معه.

يبقى لافتاً للنظر أن يميل إبراهيم الجعفري إلى قبول مبدأ التفاوض مع “المسلحين” بعدما مال إليه الأمريكان ومن بعدهم توني بلير، لكنه يدرك بالمقابل أن ذلك لن يكون حلاً حقيقياً لدوامة العنف الدائرة هناك، لسبب بسيط هو أن المقاومين يدركون مرامي المشروع الأمريكي، وقبله الروحية الفئوية التي تحركه وحلفاءه في الائتلاف.

مصادر
الدستور (الأردن)