في المشهد أمام منتدى الأتاسي يوم السبت الفائت “02-07-2005” كانت هناك ملامح لمشاعر متباينة .

فهناك الحزن والغضب ، وهناك الاحباط وشىء من اليأس . كانت الدموع تلمع في بعض العيون ، وكأننا أمام مشهد نهاية حزينة لموت الطفل الوحيد الذي بقي من عائلة ربيع دمشق .

البعض كان يرى بأنه قد أطلقت طلقة الرحمة على بصيص الأمل المتبقي بالاصلاح ، انتهى كل شىء ، وسورية في طريقها للعودة نحو أجواء الثمانينات المكفهرة ، ذلك هو الواقع الصلد ، اما ماعداه فهو الوهم والتمني .

إغلاق منتدى الأتاسي بعد شهور طويلة من الوعود والدعوة لاعطاء “الفرصة” للمؤتمر القطري ، ثم خروج المؤتمر بتوصيات بدلا عن القرارات ، توصيات تتحدث عن الاشكالات دون أن تقدم الحلول المتناسبة معها بل لتطلق وعودا جديدة بتحويل التوصيات الى خطوات في مستقبل غير محدد ! كل ذلك يعمق الإحساس بالمرارة واليأس ، وكأن لسان الحال يقول : تفضلوا هاهو إغلاق الأتاسي نموذج لتطبيق توصيات المؤتمر القطري ، وبالقياس على هذا النموذج وداعا للإصلاح .

لاأحد يستطيع القول ان تلك المشاعر والأفكار ليس لها مايبررها ، لكن الى جانبها ثمة عناصر أخرى غيبها الحزن لاتقل أهمية .

فهناك تصميم قوي على الاستمرار في نشاط المنتدى ربما أكثر من أي وقت سابق ، وهناك شعور بامتلاك قضية عادلة تداخل فيها الرمز مع قضية التغيير الديمقراطي .

لقد قدمت السلطة دون ان تقصد للمعارضة قضية لتلتف حولها ولتزيد من صلابة ووضوح الطرح الوطني الديمقراطي وتخرجه من نطاق العزلة السابق «اليس أمرا ذا مغزى خروج منتدى الاتاسي للشوارع بدلا من الجدران المصمتة».

أما العنصر الآخر ذو الأهمية فهو ذلك التجاذب السلمي بين أجهزة الأمن“الشرطة” وبين المعتصمين أمام منتدى الأتاسي .

مدلول ذلك التجاذب هو الاشارة للأرضية المستقبلية للتغيير الديمقراطي بوصفه نضالا سلميا ذا وعي وطني ، لاينظر بعدائية للآخر بل بمحبة ، نضال لايقول للآخر نحن جبهة ضدك ولكن نحن جبهة معك .

تلك إشارة هامة ينبغي تعميقها ، وهي ليست صادرة فقط عن المعارضة المحتشدة أمام المنتدى بل هي صادرة أيضا الى هذا الحد أو ذاك عن قوى الأمن الذين لم يشعر أحد بنظرة عداء في عيونهم.

في المرة الثانية لماذا لاتحمل المعارضة الزهور وتقدمها لرجال الأمن كما فعلت المعارضة اللبنانية ؟

المحبة ارث سوري أصيل ونحن بحاجة ماسة لها اليوم .

لقد انتشوت غبطة وأنا أسمع النشيد الوطني ينشده الشباب حول ضباط الشرطة الذين كانوا في لحظة اندهاش رغم رغبتهم في اظهار صورة أكثر صرامة .

روح التغيير الديمقراطي السلمية الممتلئة حبا ووطنية هي قوة جارفة بل هي قدر سورية .

من بين الهتافات التي صعدت كم كان جميلا ذلك الهتاف للتآخي العربي- الكردي .

منتدى الأتاسي سيبقى بالأمل والمحبة والتصميم وروحه ستتسع وتنتشر ، لكن الأمر بحاجة لبعض الصبر.

لاأعرف بالضبط كيف فكر الذين اتخذوا قرار اغلاق المنتدى ، لكن ما أعرفه أن الحكمة تقتضي التراجع عن ذلك القرار ، واذا كان ثمة مخاوف من استخدام الخارج له فان قراءة أخرى تقول انه أحد صمامات الأمان التي ينبغي التعامل معها بكثير من الاهتمام لسد الطريق امام الخارج وتأمين الانتقال السلمي باتجاه التغيير الديمقراطي .

أما هل نحن بصدد التغيير الديمقراطي أم لا فذلك سؤال أعتقد أنه قد أصبح خلف التاريخ ، ولاشك بأن الظن أنه مازال مطروحا هو عبث لاطائل تحته مثلما انه مضيعة للوقت .

مصادر
موقع الرأي (سوريا)