قبل أن تكون زيارة الرئيس محمود عباس الأخيرة الى سوريا زيارة رسمية فلسطينية - سورية‚ كانت زيارة فلسطينية - فلسطينية‚ بجدول أعمال متكامل لبحث مستجدات الوضع الفلسطيني‚ على ضوء اقتراب استحقاق الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة‚ والمستوجبات المطلوبة فلسطينياً لحمل أعباء المرحلة القادمة.

ولكن‚ مع هذا‚ فان الترحيب السوري اللافت للانتباه بالرئيس محمود عباس‚ وتأثير دمشق على غالبية الفصائل الفلسطينية ودفعها للتعاطي الايجابي مع السلطة الوطنية الفلسطينية‚ رسالة واضحة وفصيحة أرادت سوريا من خلالها ابلاغ الجميع واقعيتها واستيعابها للمتغيرات‚ بما في ذلك التخلص من رواسب الماضي السلبية مع الطرف الرسمي الفلسطيني‚ وتقديم كل أشكال المساندة الممكنة للسلطة الفلسطينية وللشعب الفلسطيني الذي يخوض عملياً ولوحده معركة البقاء ومواجهة سياسة القوة الاسرائيلية.

وتشير بعض المصادر الفلسطينية الموثوقة‚ إلى أن هناك رغبة سورية في دفع الفصائل الفلسطينية نحو الزج بالكم الأكبر من كوادرها وقياداتها نحو الداخل الفلسطيني‚ وتحديداً نحو قطاع غزة في ظل الانسحاب الاسرائيلي المتوقع قريباً‚ وفي هذا السياق فان السلطة الوطنية الفلسطينية وقبل وصول أبو مازن الى دمشق بأيام قليلة‚ كانت قد طلبت من الفصائل اعداد نفسها وتهيئة أجوائها وتقديم قوائم من أعضائها للدخول الى غزة‚ بما في ذلك على المستوى الأول وبضمانات أمنية اقليمية مصرية وربما دولية … وعليه فان التجاوب الفصائلي كان على درجة مقبولة‚ فالجبهة الشعبية القيادة العامة هيأت نفسها لعودة أبرز قياداتها وترتيب اقامتهم بين الداخل والشتات‚ كالدكتور طلال ناجي نائب أحمد جبريل وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية‚ وفضل شرورو عضو المكتب السياسي‚ والدكتور حسام عرفات عضو المكتب السياسي‚ ومحمد العجوري عضو اللجنة المركزية وغيرهم من قيادة وكوادر الجبهة‚ وفي الاتجاه نفسه اتخذت جبهة النضال الشعبي الفلسطيني قرارها بعودة الأمين العام خالد عبد المجيد ومعظم أعضاء المكتب السياسي «هيثم عبد القادر‚ أبوسليم‚ أبوجمال عسكر‚ أبو سليم الضابطة‚ نازك»… اضافة الى سعي الجبهة الشعبية لتسهيل عودة بضع عشرات من كوادرها من أبناء الضفة الغربية وقطاع غزة وبعض أعضاء المكتب السياسي «أبو علي حسن‚ مروان الفاهوم‚ عمر قطيش‚ محمد أبو ناموس‚ الدكتور جواد عقل…»‚ كذلك جبهة التحرير الفلسطينية والحزب الشيوعي الفلسطيني «غطاس أبو عيطة‚ عربي عواد‚ محمد الأشقر‚ عبد الله النمر‚ علي عزيز…‚» بينما لم تعط حركتا حماس والجهاد الاسلامي موقفاً نهائياً بهذا الشأن نظراً للتخوفات الأمنية التي قد تحيط بعودة أي من كوادرهما حتى بوجود ضمانات اقليمية وأوروبية‚ وبالنسبة لمنظمة الصاعقة فان المؤشرات تقول باستحالة عودة أي من عناصرها القيادية في الفترة الراهنة نظراً لاعتبارات تتعلق بانتظار انضاج وانهاء كل ترسبات الماضي بين الاطار الرسمي الفلسطيني وسوريا‚ اضافة الى انتظارها تفكيك صيغة التنظيم المنشق عنها‚ والذي يحمل الاسم ذاته في قطاع غزة بقيادة اللاجىء الغزاوي سليمان أبو منديل‚ والعقيد الفلسطيني - السوري أحمد حجو‚ والعقيد الفلسطيني - السوري وليد سعد الدين.

وعلى صعيد عودة الآخرين من الأمناء العامين‚ فان المعلومات تشير الى رفضهم منطق العودة بالرغم من ضجيجهم وتشدقهم بشعار العودة‚ رابطين عودتهم بالمشاركة في صنع القرار السياسي‚ وفي ترجمة نتائج حوارات القاهرة بالنسبة لاعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وتشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية‚ وإلا فان العودة ـ حسب رأيهم ـ ستكون استخدامية‚ واحتفالية‚ وترحيبية بالمناسف والولائم‚ وبعدها بفترة زمنية قد يصبحون ضيوفاً عند محمد دحلان ورشيد أبو شباك‚ أو عند جبريل رجوب “وعلى الفلقة” لدى أي خلاف أو افتراق سياسي مع السلطة‚ بالرغم من انشراح هؤلاء الأمناء العامين لدى اعتقال كوادرهم في السجون العربية وزجهم في معتقلات الضوابط الأمنية العربية في الزمن الماضي القريب‚ ودعوتهم للكوادر : الصمود والصمود في وجه عمليات التعذيب عند علي أو حسن أو … حيث كان بعض الأمناء العامين اياهم «من التيار الباطني في الساحة الفلسطينية ومساعديهم الحقودين» يجدون ضالتهم في هذا الاعتقال‚ كمادة حية للمزاودات‚ في الوقت الذي يتوجهون لاهثين وراء لقاء أي من قيادات بلد الاعتقال.

وبمطلق الأحوال‚ لا يعني القول أعلاه بأن الأمور تسير على سكة سلسة‚ فالعقبات الاسرائيلية قبل غيرها ما زالت قائمة وماثلة‚ بالرغم من الوعود المعطاة بالنسبة للسماح بعودة قيادات وكوادر فلسطينية الى قطاع غزة‚ من جانب آخر‚ ان خطوات إجرائية قادمة فلسطينية وسورية لابد منها آجلاً أم عاجلاً من أجل إعادة إرساء الخطوط العريضة لمسار العلاقات المشتركة بين الطرفين‚ واستعادة الثقة التي مزقتها التباينات خلال العقدين الأخيرين‚ وأولى الخطوات الضرورية تتمثل في السعي الجاد والمخلص من أجل إيجاد الحلول المنطقية لبعض القضايا العالقة‚ ومنها على سبيل المثال ما يتعلق برفع مستوى تمثيل مكتب منظمة التحرير الفلسطينية‚ ومسألة جواز السفر الفلسطيني والاعتراف السوري به نظراً لما يحمله هذا الاعتراف من مؤشر معنوي.

مصادر
الوطن (قطر)