لا أتذكر من صور الديمقراطية العراقية سوى المفارقة القاسية بين عنفوان العراقيات الذي عرفناه عن قرب، وأصوات النحيب المختلطة بالعباءات السود واللحى ... وتغيب عن هذه الصور الرغبات والنيات واختلاط المقاومة بالإرهاب، أو حتى السعي لاقناعنا بأن الديمقراطيات القادمة ستتيح لأي أنثى حرية الاختيار.

صور "الديمقراطية" العراقية كما نشهدها اليوم مرعبة باستنادها لذاكرة الشرق القديم .. وتلونها بالرغبة لإضفاء مسحة من البهجة على نعش "الأنثى" المقتولة برغبات الساسة، أو المصلوبة على التمثيل الأثني والطائفي والعشائري.

وربما عندما تتناقل وسائل الإعلام خبر إعدام "طالبان أنثى" تعاملت مع القوات الأمريكية، فإن الذاكرة التراثية تهرول بسرعة نحو العراق، أو نحو ما تريده كوندليزا رايس من تغليب للفوضى البناءة على الاستقرار. فالمشكلة هي دفن التفاصيل فوق أكوام من الأحلام السياسية.

صحيح أن الأنثى في ظل الاستبداد السياسي قبل "تحرير العراق" وقبل "المد الديمقراطي" كانت مستلقية تحت رغبة المجتمع الذكوري، لكن الحلم بقي يؤجج الاندفاع نحو القادم، بينما لا نجد وسط "الحلم الديمقراطي" الحالي سوى صور التشكيل التراثي ...

صور "الديمقراطية العراقية" لم تتضح بعد، لكنها رسمت لنا حاملو المشاعل وهم يستمدون الشرعية من المرجعيات التراثية فأي حلم للأنثى وسط "حاكمية" مجهولة ... ووسط مؤتمرات تعقد في معقل الحداثة لتخبرنا بأن الديمقراطيون قادمون وهم مسلحون بحرية المرأة التي اكتسبتها بحق إلهي من 1400 عام ...

مفترق الطرق اليوم هي "الديمقراطية" المحتكرة من قبل مقتسمي تركة الحداثة، وهم سيمنحون الأنثى من هذه التركة ما تمليه القاعدة الشرعية "للذكر مثل حظ الأنثيين" وهم أيضا سيقررون ديمقراطيتها وفق "الرجال قوامون على النساء" ... وهم سيحفظون النسب مع تناقص حظوظ المرأة بالزواج نتيجة الفقر، فيتمتعون مثنى وثلاث و ....

صور الديمقراطية العراقية اليوم ليست صورة عراقية محضة، بل هي صورة ذاتنا عندما انتهينا إلى زوايا الجنس التراثي .... ولا حاجة للحديث أكثر عن المرأة العراقية.