بعد حملة انتخابية محمومة جدا، اختار الفرنسيون إيمانويل ماكرون، ومارين لوبن للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية.

هذه ليست المرة الأولى التي نشهد فيها مثل هذا الانقسام، وبهذا الوضوح عبر تاريخ فرنسا الحديث :

على ضفة، يقف مؤيد للتحالف مع ما يبدو أنها أعظم قوة في الوقت الحالي (الولايات المتحدة )، وعلى الضفة الأخرى، تقف حركة تسعى إلى الاستقلال الوطني.

يقف على الضفة الأولى أيضا، الطبقة الحاكمة بأكملها من دون استثناء ملحوظ، فيما يقف على الضفة الأخرى، حزب مكون من خليط من الاتجاهات والمشارب، معظمهم من طبقة البروليتاريا، ثلثاهم أتوا إليه من اليمين، والثلث الآخر من اليسار.

بات وضحا أن الرئيس الفرنسي القادم لن يكون سوى السيد ايمانويل ماكرون، سليل مصارف عائلة روتشيلد وشركاها، المدعوم منذ اللحظة من جميع رؤساء شركات مؤشر كاك 40، أهم مكونات سوق الأوراق المالية في باريس.

إن اتفق هذا مع أحكامنا المسبقة أم لم يتفق، فإن توافق قوى المال بالإجماع، هو السمة الأساسية لصعود الأحزاب الفاشية.

غالبية الفرنسيين يعتقدون أن إيمانويل ماكرون سيكون استمرارا لسياسات الرئيسين ساركوزي، وهولاند. مما يعني أنهم يتوقعون رؤية بلادهم ذاهبة نحو مزيد من الانحدار. إنهم يقبلون أن تحلً عليهم هذه اللعنة، اعتقاداً منهم أنها تبعد عنهم شبح تهديد اليمين المتطرف.

لم يعد أحد يتذكر أنه في عام 1940، كان ثمة وزير فاشي، يدعى الجنرال شارل دوغول، هو الذي رفض هدنة الذل مع ألمانيا النازية. هذا الرجل، الذي يعتبر الخلف الرسمي للمارشال فيليب بيتان (الذي كان عراب ابنته)، رفض الهدنة وأطلق حركة مقاومة تكافح ضد ماتربى عليه، وما تلقاه من أحكام مسبقة، وبدأ يجمع حوله بتروي وضد معلمه السابق، مواطنين فرنسيين من جميع الاتجاهات للدفاع عن الجمهورية.

انضمت إليه شخصيات كبرى من اليسار، مثل جان مولان، الذي قبل بضع سنوات كان يختلس سرا الأموال من وزارة البحرية ليشتري بها أسلحة، ثم يقوم بتهريبها لدعم الجمهوريين الأسبان ضد الفاشيين.

لم يعد أحد يتذكر أيضا أن زميلا للجنرال دوغول، روبرت شومان، هو الذي وقع على هدنة الذل، ثم بعد بضع سنوات، أسس الجماعة الاقتصادية الأوروبية (الاتحاد الأوروبي حاليا)، منظمة فوق وطنية تم تصورها وفقا للنموذج النازي كنظام أوروبي جديد، ضد الاتحاد السوفيتي سابقا، واليوم ضد روسيا.

لا يوجد مايدل على أن مارين لوبن قادرة على لعب نفس دور الجنرال دوغول، لكننا على يقين من ثلاثة أمور :

 مثلما ابتلع البريطانيون اشمئزازهم من الجنرال دوغول عام 1940 واستضافوه على مضض في لندن، يفعل الروس نفس الشيء الآن بدعمهم لمارين لوبن.

 وكما حصل في عام 1939، حين كان الشيوعيون، الذين تحدوا تعليمات حزبهم والتحقوا بالمقاومة، نادرون. هؤلاء هم حاليا أنصار المرشح جان لوك ميلانشون، والذين يعول عليهم باجتياز هذه الخطوة.

لكن ما أن بدأ الهجوم النازي على الاتحاد السوفييتي، حتى أعلن الحزب الشيوعي عن تأييده الكامل للجنرال ديغول، وصار أعضاءه يشكلون الغالبية الساحقة للمقاومة الفرنسية.

ما من شك بعد الآن في أن ميلانشون سيناضل في السنوات المقبلة، إلى جانب مارين لوبن.

- لن يفهم إيمانويل ماكرون أبدا طبيعة الرجال الذين يقاومون الهيمنة على أوطانهم. وبالتالي فهو لن يفهم شعوب "الشرق الأوسط الكبير"، التي تناضل من أجل الاستقلال الحقيقي، سواء في حزب الله اللبناني، أو في الجمهورية العربية السورية، أو في جمهورية إيران الإسلامية، فحسب. بل لايتمنى لهذه الشعوب غير الموت.

ترجمة
سعيد هلال الشريفي
مصادر
سوريا

titre documents joints


Al-Watan #2635
(PDF - 161.8 كيليبايت)