في السنوات السبع الأخيرة ضرب المثل في تطور العلاقات التركية السورية، بعد أن كان البلدان على مشارف حرب في العام 1998. لكن القول أن هذه العلاقات لن تخضع لتحديات جدية قد يكون مخالفا إلى حد ما للواقع، خصوصا في ضوء التطورات الإقليمية والدولية الراهنة.

ومن المعروف حتى الآن أن أنقرة ودمشق تمكنتا من القفز فوق عقبات عديدة كانت تعيق تطور العلاقات بينهما، أبرزها طرد زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، مما أزال شبح الحرب بينهما وحول علاقات البلدين نحو التعاون والتنسيق المشترك، بدل الخصام والخشية المتبادلة.

وجاءت مشاركة الرئيس التركي أحمد نجدت سيزر في جنازة الرئيس الراحل حافظ الأسد، إلى جانب الزعيم الغربي الوحيد في الجنازة الرئيس الفرنسي جاك شيراك، لتضيف عمقا سياسيا معنويا قدره السوريون عاليا. كما رسمت زيارة الرئيس السوري بشار الأسد، أوائل العام الماضي، إلى أنقرة خطوطا عريضة للتعاون بين البلدين، ولا سيما في قضية شائكة أخرى هي الملف الحدودي.
وربما الآن، وفيما تنحدر المنطقة نحو غموض جديد، وتواجه دمشق تحديات لا سابق لها بعد جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، من الجدير النظر أين أصبحت هذه العلاقات، خصوصا في ظل الحديث الأميركي غير المنقطع عن <<الضغط باتجاه عزلة سوريا>>.

ويمكن البدء بنظرة متفحصة يلقيها السفير التركي في دمشق هاليت شيفلك حين يتحدث عن <<التبدل الجذري>> الذي طرأ على العلاقات في <<السنوات السبع السابقة>>، مشيرا إلى أن البلدين <<على الطريق الصحيح الآن، والعلاقات تحسنت بسرعة>>، مؤكدا أن <<الطموح كبير، وهو اجتماعي وسياسي واقتصادي، وهناك مكان أكبر للتعاون>>.
ويوضح شيفلك في معرض حديثه ل<<السفير>> أن <<العلاقات الثنائية لا تواجه اية مشاكل، وما نفعله هو أننا نركز على التعاون والتفاهم المشترك في علاقاتنا>>، وهو ما <<يقودنا إلى زيارات متبادلة على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإعلامي>>، مذكرا بأن نائب رئيس مجلس الوزراء السوري عبد الله الدردري سيزور أنقرة الشهر المقبل.

ويشير شيفلك إلى أن هذا لا يمنع من وجود علامات ضعف لهذه العلاقات، فحتى الآن لم تبلغ الاستثمارات التركية في سوريا أكثر من 170مليون دولار، على الرغم من وجود ميزان تجاري بين البلدين <<مرضي وجيد>> يقارب 800 مليون دولار (انخفض مؤخرا بسبب تراجع صادرات النفط السوري إلى تركيا)، كما لا يتعدى عدد المستثمرين الأتراك في سوريا ال25 <<فيما يوجد 3 آلاف مستثمر تركي في السودان وحدها>>.

ويطرح شيفلك سؤالا على مسامع المسؤولين السوريين <<لماذا؟>>، ويجيب <<إذا تحسن مناخ الاستثمار، والإجراءات سيكون الجميع سعيدا بالمجيء>>، موضحا أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان طرح، منذ حوالى العام، على الجانب السوري أن يقوم الأتراك بتقديم يد العون المادية والفنية إلى السوريين لترميم التكية السليمانية وسط دمشق، التي تعود إلى العهد العثماني، واستجاب الجانب السوري بإيجاب حينها، لكن بعد مرور عام على هذه المبادرة وحضور أربعة وفود تركية لذات الغرض، ما زال الجانب التركي يتساءل <<من هو المسؤول، هل هو مديرية الآثار، وزارة الثقافة وزارة السياحة، من؟>>.

ويضيف دبلوماسي غربي مقاربة أخرى حيال الموضوع الحدودي من وجهة نظر الأتراك، حيث لم تتقدم بعد المشاريع المشتركة المقترحة بين الطرفين، خصوصا موضوع السد الذي كان يفترض أن يقام على نهر العاصي بين جانبي الحدود لحمايتها من الفيضانات. ويرى أنه بالإمكان <<الحصول على تعاون أكبر في موضوع الحدود>>، لكن مع الإشارة إلى أن <<الخط الحدودي يجب أن لا يكون عنصر اختلاف، ويجب أن نقبل بوجوده ثم نبني على ذلك>>، مستشهدا بالعلاقة بين ألمانيا وفرنسا اللتين <<لم يعد للحدود بينهما معنى>>، مؤكدا أن المهم أن يظهر كل طرف للآخر <<بأن نظيره ليس لديه نوايا مخبئة>>، مؤكدا في ما يخص سد العاصي أنه على <<الرغم من عدم تقدم هذا المشروع حتى الآن، إلا أن ثمة اتفاقا مبدئيا لبنائه والعمل جار عليه>>.
أما الجانب السياسي المرتبط بالجوار، فيؤكد من جهته السفير التركي في دمشق أن انقرة تنسق مع دمشق في مسائل كالعراق <<ثنائيا>> كما تفعل <<مع دول جوار العراق>>، كما أن التعاون الأمني مستمر بين الجانبين.

وشدد شيفلك على أن السياسة التركية لا تتوافق مع سياسة العزل التي تدعو إليها الولايات المتحدة. وقال <<لا نعتقد أن العزل هو الأسلوب الصحيح، ونريد لسوريا الانفتاح سياسيا واقتصاديا>>، مضيفا أن <<التغيير والإصلاح هو الطريق الصحيح، كما توضح التجربة التركية>>.

وحول استعداد أنقرة لكسر حصار تقيمه واشنطن ضد دمشق كما تهدد، يجيب شيفلك <<نحن جزء من العالم، ولكن حين نقوم بخطوة يجب أن نفكر كيف يتم تقييمها من الآخرين>>، موضحا <<لكن في النهاية هناك سياسة وطنية تركية، وهي لا تتفق مع العزل>>.

مصادر
السفير (لبنان)