هو الحنين للوقوف على اعتاب المدينة ... والصورة التي توحي بأن دمشق لا تملك التاريخ فقط بل تتعامل معه كذاكرة حيوية قابلة للاستحضار في كل لحظة ... وربما لا يملك ميلس ما حمله الآخرون على امتداد تاريخ دمشق، إلا أن المقاربة "المضحكة" هي وقوفه عند نفس النقطة التي عسكر عندها يوسف العظمة، قبل أن ينتقل إلى ميسلون. مقاربة لا تملك روابط واقعية لكنها تحرض ذاكرة المدينة والمجتمع.

لكن "الإعلام" المرافق لـ"ميلس" يريد حشر الحاضر في قوالب من الحروب الافتراضية، وهو ينتظر الحدث ... أليست مهمته نقل الحدث!!! و "الإعلام" أيضا غاضب من التكتم الذي رافق وصول ميلس إلى "ضواحي دمشق" لذلك فإن التقارير بقيت تتنقل على شهود مجهولين، أو تصريحات تائهة في حمَى البحث عن الحدث. وهنا يبدأ العرض فـ"الدولار" ارتفع في سورية .. أو المجتمع قلق .. أو حتى "فزاعة" ميلس تنتقل بين الأحياء الدمشقية .. وهل يستحق الحدث التأكيد عليه!! فكيف لا يقلق السوريون وسط مساحات من الضغوط والاضطراب الإقليمي؟! ربما يكون الخروج عن القاعدة هو الاسترخاء لعمليات الضغط السائد.

والمقاربة مع بداية القرن مستمرة ... فعندما وجه غورو إنذاره الشهير أعاد المجتمع السوري الخارج من تاريخ الدولة العثمانية رؤيته لنفسه. واليوم ليس هناك إنذارات بل عمليات إرباك مستمرة تفرضها الإدارة الأمريكية عبر استخدام اسم سورية في كل تصريح .. ولكن هل نعيد رؤية أنفسنا؟!!

التاريخ لا يكرر نفسه، والمقاربة تبقى نوعا من استكشاف جغرافيتنا من جديد، لأننا لسنا في إطار تصفية الدولة العثمانية، ولكننا في مجال تصفية ذاكرتنا المعاصر، وربطها مع حالات متسارعة من التطور الدولي الباحث عن استراتيجية الفصل المطلق ... والانقضاض على الحداثة لتقسيم العالم إلى خير وشر.

عندما نكتشف جغرافيتنا الاجتماعية والثقافية نعرف أننا قادرون على النظر دائما إلى المستقبل، وأن ميلس، مهما كانت نتائج تحقيقاته، هو في النهاية صور للعالم الجديد المفروض بقوة على ذاكرتنا ... فسورية في النهاية تشكل ذاتها دون حاجة إلى مساحة قادمة من المجهول.