كان التحقيق الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري سبب زيارة الرئيس بشار الاسد لمصر امس، وكان الموقف المصري المعلن بعد الزيارة من عدم جواز عزل سورية او توجيه اصابع الاتهام اليها قبل صدور تقرير رئيس لجنة التحقيق ديتليف ميليس منسجما مع السياسة المصرية العامة المتضامنة دائما مع قضايا العرب لكنها الملتزمة دائما القرارات الدولية, بمعنى آخر، حصلت دمشق امس على تضامن حتى,,, التقرير.

قبل الزيارة وخلالها وبعدها كلام كثير عن وساطة تلاه نفي من مختلف الاطراف التي قيل انها معنية بهذه الوساطة، فسورية نفت والاتحاد الاوروبي رفض المبدأ والامين العام للامم المتحدة اكد انه لا يعلم عنها شيئا.

وحديث الوساطة بالشكل الذي تم، يحمل في طياته عناصر كثيرة ترفضها دمشق اهمها عنصر الادانة أو التورط، يرسخ ذلك الربط المستمر ومنذ اللحظة الاولى بين الحلول التي اعتمدت لانهاء ملف جريمتي تفجير الطائرتين الاميركية والفرنسية فوق لوكيربي والنيجر وبين الحلول المتوقعة لانهاء ملف جريمة اغتيال الحريري, ففي قضية لوكيربي اعترفت ليبيا مباشرة بمسؤوليتها بعد انكار دام سنوات ورفض لسير التحقيق ونتائجه كلفها عقوبات كبيرة، ثم وافقت على دفع تعويضات لاسر الضحايا بمئات ملايين الدولارات، ثم سلمت اثنين من مسؤولي الامن فيها الى المحكمة الدولية مقابل ان تتوقف الملاحقة عندهما ولا تتعداهما الى مسؤولين ارفع مستوى, ترافق ذلك كله مع تكثيف الخطاب الليبي (الوهمي) القائل بأن رأس النظام في ليبيا هي اللجان الشعبية وان القرار للشعب والسلطة للشعب وبالتالي فلا يمكن لمن يحتل ارفع المناصب القيادية ان يكون عالما بالضرورة بما ارتكبه هذا الجهاز او ذاك او هذا العقيد او ذاك اللواء.

في سورية الامور مختلفة تماما، فدمشق حتى اللحظة تنفي نفيا قاطعا ان يكون اي من قادتها الامنيين في لبنان متورطا بطريقة او باخرى في اغتيال الحريري، ولا يعلم احد حقيقة لماذا لم يبادر القضاء السوري الى التحقيق فورا مع من تولوا مسؤوليات امنية في لبنان غداة استشهاد الحريري ولو من باب الاطمئنان الى سلامة الموقف المعلن ومواكبة التحقيقات الدولية عندما تطرق ابواب دمشق.
وسورية لا يمكنها الآن ان تفعل مثل ليبيا وتدخل اي باب للوساطة من خلال اعلان مسؤوليتها (كاملة او جزئية) عن الاغتيال كما اعلنت ليبيا في قضية لوكيربي، فذلك يعني ادانة لكل خطابها السابق بل ادانة لما هو اكثر من الخطاب، لذلك فالتوسط - اذا حصل- سيكون في اطار آخر لم تتضح معالمه حتى الآن.

وسورية لا تستطيع ان تجاري الخطاب الليبي (الوهمي مرة اخرى) بأن القيادة فيها لا تحكم ولا تملك القرار وبالتالي فهي غير مسؤولة عن النتائج، بل على العكس من ذلك، لم يتحدث الخطاب السوري منذ عقود سوى عن مركزية القرار.

وسورية، في اطار الصورة التي سبقت، سيصعب عليها تسليم عدد من مسؤوليها الامنيين الى محكمة دولية في اطار صفقة خصوصا انها لم تؤسس لاحتمال وجود تورط في ردود فعلها على الجريمة, والقيادة الليبية نفسها اضطرها الامر نحو سبع سنوات لتتمكن من فعل الشيء نفسه وبدء القبول بمبدأ التسليم في اطار الصفقة المعروفة.

الامر لا يحتاج الى صفقة او وساطة ولم يكن يحتاج ايضا الى المواقف التي انطلقت غداة الاغتيال, هناك جريمة حصلت، وهناك مسؤوليات كان يجب ان تحدد وعلى مختلف المستويات (تورط، اهمال، تقصير، مشاركة,,,) وهناك اقرار كان يجب ان يتم بان الناس ليسوا كلهم من جنس الملائكة (هل حقق القضاء السوري مثلا مع العميد رستم غزالة حول عشرات الملايين التي نبتت فجأة في ارصدته وارصدة اشقائه في بنك المدينة؟) وهناك تحقيق يجب ان يتم التعاون معه حسب الاصول القانونية والقضائية من دون تسييس او توظيف، وهناك محاسبة يجب ان تطال المتورطين مهما كانت مناصبهم,,, ولو حصل ذلك كله تلقائيا وسوريا بالدرجة الاولى لكان الثمن المتوقع منه اقل سوءا حتى من الثمن المتوقع من اي وساطة مرتقبة.

ملاحظة: التضامن العربي حتى صدور التقرير,,, عمره قصير.

مصادر
الرأي العام (الكويت)