تزامن فوز أرييل شارون في تصويت اللجنة المركزية لليكود حول تقديم الانتخابات الداخلية مع عودة الاغتيالات الاسرائيلية لزعماء المنظمات الفلسطينية يعكس صورة عما سيكون عليه الأفق السياسي لما بعد الانسحاب الاسرائيلي من طرف واحد من غزة.

فعلى الصعيد الاسرائيلي الداخلي نجح شارون في تجاوز آخر الارتدادات السلبية لخطة فك الاتباط عن غزة، وإستطاع أن يواجه كل الشكوك في زعامته التي أثارها أخصامه السياسيون لا سيما بنيامين نتنياهو، وان يتغلب على الحملة الشرسة التي قام بها الجناح القومي المتطرف في حزبه أو من تبقى من دعاة ارض-اسرائيل الكاملة من المعارضين لإخلاء المستوطنات اليهودية في غزة.

ولكن النسبة الضئيلة التي فاز بها على أخصامه لا بد أنها ستفتح عينيه على التآكل الذي طرأ على مكانته السياسية وسط محازبيه ومؤيديه، كما ان الاصطفاف السياسي الذي حدث عشية التصويت ووقوف عدد من وزراء حكومته ضده، بالاضافة الى تكتل أعضاء الكنيست من المتمردين عليه يتطلب منه اعادة النظر في كيفية التعامل مع هذه المجموعة "المارقة" في الوقت المتبقي حتى موعد الانتخابات الحزبية المقبلة.

والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هل سيستغل شارون الوقت الباقي لتعزيز موقعه الحزبي بالانتقام من خصومه؟ أم أنه سيحاول رأب الصدع الذي احدثه الانسحاب الاحادي من غزة واجلاء المستوطنين اليهود من هناك واعادة توحيد صفوف الحزب من جديد تحت زعامته؟

الاكيد الآن ان الفوز الذي حققه شارون بفضل مجموعة الوزراء الداعمين له وعلى رأسهم وزيرا الخارجية والدفاع سيوظفه شارون لمصلحة الانتخابات المقبلة التي يسعى جهده للفوز بها من جديد، وهو على الارجح سيحاول رأب الصدع مع ممثلي المستوطنين في الحزب والتقرب منهم من طريق التعويضات المالية والتقديمات،وسيطمئن الغيارى على بقاء المستوطنات اليهودية في الضفة أنه لن يقدم أي تنازل جديد للسلطة. لذا فالمرحلة المقبلة ستكون مرحلة القسوة والتشدد مع الفلسطينيين والتي بدأت طلائعها بالظهور منذ نهاية الاسبوع الماضي.

على الصعيد الفلسطيني، فلولا عودة التصعيد العسكري في غزة بين الجيش الاسرائيلي وحركتي "حماس" و"الجهاد الاسلامي" كان من الممكن تأويل فوز شارون بأنه دعم اسرائيلي للإنسحابات الاحادية الجانب من الاراضي الفلسطينية وربما بداية الاعتراف بضرورة انهاء الاحتلال من اجل التوصل الى انهاء النزاع المسلح.ولكن عودة صواريخ "القسام" وتجدد عمليات الاغتيال للزعامات الفلسطينية في غزة والتوقيفات التي طاولت عدداً كبيراً من الفلسطينيين في الضفة،كل ذلك يظهر بوضوح أن خطوة الانسحاب من غزة ليست سوى حلقة جديدة من النزاع بين الطرفين، لاسيما اذا علمنا ان الجيش الاسرائيلي جنباً الى جنب مع اعداده لخطة فك ارتباط كان يعد قائمة بعمليات الاغتيال التي سينفذها بعد ذلك ضد أهداف فلسطينية في حال تجدد القصف على المستوطنات القريبة من حدود غزة، محاولاً إرساء ما يصفه القادة العسكريون الاسرائيليون بـ"قواعد لعبة"جديدة على الحدود بين غزة واسرائيل.

المفارقة ان مؤيدي شارون اعتبروا أن هدف قصف "حماس" عشية تصويت اللجنة المركزية في الليكود بأربعين صاروخاً هو إضعاف موقع شارون لمصلحة نتنياهو، تماماً مثلما تتهم السلطة الفلسطينية اسرائيل بأنها بقصفها أهدافا فلسطينية مدنية وبعودة مسلسل الاغتيالات الى غزة تعزز من تأييد الناس لحركة"حماس" و"الجهاد" وتضعف من هيبة السلطة الفلسطينية التي تواجه تحدياً حقيقياً اليوم في غزة. كما ان تصريحات شارون التي يطالب فيها بمنع "حماس" من المشاركة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية تلحق ضرراً كبيراً بمكانة السلطة لمصلحة المنظمات الفلسطينية الراديكالية.

على الارجح إن الايام المقبلة التي ستفصل الاراضي الفلسطينية عن موعد الانتخابات ستكون صعبة وقاسية وستشكل امتحاناً مزدوجاً لسلطة محمود عباس الذي عليه ان يواجه في آن واحد ضغط شارون عليه لنزع سلاح المنظمات الفلسطينية المتشددة،وضغط "حماس" و"الجهاد الاسلامي" اللتين تطالبان بحصة سياسية أكبر لهما وبتمثيل حقيقي لقوتهما السياسية من دون التخلي عن سلاحهما.

مصادر
النهار (لبنان)