فوضى الإشارات السياسية كانت قادرة على استيعاب أي تفكير جديد، لأن "مهمة ميلس" كما روج لها تقع على الحد الفاصل بين مرحلتين، ووفق هذا التحليل الذي أصبح سمة الأشهر الماضية، كان لا بد للجميع من التحول نحو الزمن الذي يمكن أن يحمله "ميلس".
والإشارات السياسية أيضا ربما ساعدت الكثيرين على تخيل المواقف بعد نشر ما جاء في التحقيق، لكنها بالتأكيد حجبت الرؤية عما يمكن أن يحدث بعد هذه "المرحلة" الفاصلة بين زمنين حسب بعض التحليلات. وكان من شأن الترقب إغراقنا بمعارك "مصادر المعلومات" التي لم تستبق الأحداث لكنها ركبتها في داخلنا كهرم مقلوب تستطيع "لجنة التحقيق" أن تنهي توازنه بنفخة هواء فقط.

ومحصلة "صراع التقارير" هي اعتقال مصير مجتمعات على "نتائج التحقيق" الذي لا نملك عنه اليوم سوى ما تسربه "المصادر المطلعة"، بينما يبدو أن "التحرر" من هذا الحد الفاصل ربما ينقلنا إلى مساحات جديدة. فإذا كان ما حدث خلال الأشهر الست الماضية يتجاوز المألوف السياسي الذي عرفناه سابقا، إلا أن وضعه على حدود "المرحلة" الفاصلة والهائمة على زمن غير محدد يشكل الفجوة التي اكتشفناها في تفكيرنا أو تفكيكنا لواقع الحياة وربما مستقبلها وعند البعض ماضيها.

الكل اليوم يحاول "الارتهان" للزمن الضائع حتى صدور التقرير، وهو ما يشبه التعامل مع إرادة إلهية على أرض خالية من البشر ... فإذا كان التقرير سيدين سورية حسب بعض التقارير فإننا سندخل في تلك "الفوضى" التي يتحدث عنها أكبر المحللين ... لكن ما هي هذه الفوضى؟ أو ما هي الآليات التي ستوقعنا بالفوضى؟ إنه أمر متروك "للإرادة الإلهية" ... أما في الجانب الآخر من "صراع التحليلات" فهناك حديث الصفقات والتسويات والجهد السوري لاستيعاب الأزمة. أو هناك مراعاة "للإرادة الإلهية" التي تدين من تشاء وتفعل ما تشاء.

لكن هل ينتهي الزمن الهلامي مع نشر التحقيق ... أو حتى مع اتخاذ الإجراءات مهما كان مصدرها؟! يبدو اليوم أن انتهاء هذا الزمن لم يعد مرهونا بما بالطيف المرافق للحدث السياسي، بل أصبح قناعة عامة داخل التفكير السياسي على وجه الخصوص ... وربما انتشر بشكل أوضح في الثقافة الاجتماعية التي ترى أن المساحة الزمنية التي تملكها ليس سوى دار الفناء وهي تنتظر دار البقاء، وإذا انتقلت هذه القاعدة على العقل السياسي فإننا بالفعل سنشهد صورا جديدة لكارثة على مستوى السكون الذي سيغلفنا ويمنعنا من العبور إلى الغد.