لم يُعرف عن اسرائيل يوماً احترامها قرارت الأمم المتحدة ولا حماستها لعمل المؤسسات الدولية في المنطقة. وطوال السنين الماضية وقفت موقفاً حذرا يصل احيانا الى حد العداء لنشاط الامم المتحدة ومحاولات تدخلها في ايجاد حل للنزاعات الناشبة بين دول المنطقة. ولم يشذّ عن ذلك الموقف الاسرائيلي غير الرسمي من التقريرالصادر عن لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري عن ذلك.

يبدو واضحاً تماماً ان ما يأتي بالدرجة الاولى من الأهمية بالنسبة لإسرائيل وفقاً لماجاء في تعليقات صحافييها والتصريحات القليلة لمسؤوليها الأمنيين والسياسيين ليس البحث عن العدالة التي يطالب بها اللبنانيون ولا المسار اللبناني نحو استرجاع سيادته واستقلاله وبناء دولته العصرية بعيداً عن الهيمنة التي مورست عليه من جانب سوريا، وانما انعكاس ذلك على المصالح الامنية الاسرائيلية على جبهة الجولان، وعلى حدودها الشمالية مع لبنان.

وهنا لابد من الاشارة الى عدد من المفارقات التي تجذب الانتباه.فظاهرياً كل الدلائل تشير الى ان المواجهة الدائرة اليوم بين المجتمع الدولي وسوريا لا بد أن تخدم المصلحة الاسرائيلية لا سيما ان اسرائيل لطالما طالبت دمشق عبر الولايات المتحدة بوقف دعمها للتنظيمات الفلسطينية المعادية لها ورفع الغطاء الذي تقدمه لـ"حزب الله". ولكن موجة الانتقادات التي وجهها عدد من المعلقين الاسرائيليين في صحف من توجهات سياسية متعددة الاتجاه تعكس تشكيكاً بالسياسة المعتمدة من جانب ادراة الرئيس بوش في هذه المسألة، وتتهمها بإزدواجية المعايير و"النفاق" ومحاولتها استغلال التحقيق في جريمة إغتيال الرئيس الحريري لمعاقبة سوريا على مواقفها المعارضة للحرب على العراق ودعمها نشاط المتمردين العراقيين.

ففي رأي هؤلاء المعلقين لبنان بلد شهد العديد من الإغتيالات السياسية ورغم ذلك لم يحظَ بهذا الإهتمام الدولي الذي يشهده اليوم لولا وجود مصلحة أميركية في ما يحصل. وينطوي هذا الموقف على مزيج من الكراهية والحسد للبنان: الكراهية لرؤية هذا البلد قادراً بتوحد أبنائه والدعم الدولي على اعادة صوغ هويته الذاتية بعيدا من التأثيرين السوري والاسرائيلي؛ والحسد للإمكانات التي يقدمها الدعم الدولي للبنان من مساعدة تعيد لهذا البلد موقعه التنافسي بين دول المنطقة بعد سنوات طويلة من الإلحاق والتهميش والإقتتال الداخلي والمواجهة مع اسرائيل.

من جهة اخرى يظهر بصورة جلية تمسك اسرائيل بالستاتيكو القائم بينها وبين سورياوالمستمر منذ اتفاقات وقف اطلاق النار بين البلدين والذي كان حافظاً للهدوء على جبهة الجولان. لا تريد اسرائيل أن يغير سلم الاولويات الأميركي من الوضع القائم.فالمطلوب برأيها تشديد الضغط على الحكم السوري للقبول بالإملاءات الأميركية، وعدم المضي الى ما هو أبعد من ذلك وتقويض النظام القائم، ليس لعدم وجود بديل من هذا النظام فقط أو إحتمال ان يكون هذا البديل سيطرة التيارات الاسلامية الأصولية، وإنما ببساطة لأن اسرائيل ليست الآن في صدد تغيير سياستها التقليدية المعتمدة تجاه سوريا والتي أثبتت جدواها من المنظار الإسرائيلي.

لكن من المفارقات الاسرائيلية الأخرى الإدراك شبه المؤكد بأن النظام السوري الحالي غير مؤهل أوغير قادر على ايجاد حل للمأزق الذي خلقه تقرير ميليس بعد الإشارات التي تضمنها بتورط شخصيات سورية بجريمة الإغتيال، والمراهنة على عجزه عن التوصل الى حل خلاق. فالمطلوب اسرائيلياً استمرار الحملة على سوريا الى ما لانهاية واستمرار المأزق والتخبط وعملية التآكل الداخلي للنظام السوري.

ولا يقف في وجه ذلك الا احتمال نجاح النظام السوري في ايجاد مخرج لمواجهة الاتهامات الموجهة اليه حالياً من جانب المجتمع الدولي بشأن تورطه في اغتيال الحريري من طريق تعاونه من جديد مع لجنة التحقيق الدولية وتسليمه المتورطين بهذه الجريمة.

مصادر
النهار (لبنان)