دمشق تخشى قراراً "ظالماً" اليوم يتيح استخدام القوة

مع استعداد اعضاء مجلس الامن للتصويت اليوم على مشروع قرار اميركي – فرنسي – بريطاني يهدد سوريا بعقوبات اقتصادية ما لم تتعاون تماما مع لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بدت دمشق في سباق مع الوقت على صعيد التحركات والاتصالات والخطوات التي تتخذها علها تأتي بمردود يخفف قوة القرار الذي سيعتمده المجلس. وتوجه وزير الخارجية فاروق الشرع الى نيويورك لحضور جلسة مجلس الامن، فيما واصل نائب وزير الخارجية وليدالمعلم جولته الخليجية من غير ان يكتم مخاوفه من صدور قرار دولي يهدد باستخدام القوة ضد سوريا، وغداة قرار سوريا انشاء لجنة تحقيق خاصة بها في اغتيال الحريري، اكد وزير العدل السوري محمد الغفري ان اللجنة السورية ستتعاون مع لجنة التحقيق الدولية التي يرأسها القاضي ديتيلف ميليس ومع السلطات القضائية اللبنانية.

مهمة الشرع

ومن المقرر ان يعقد الشرع لقاءات مع عدد من وزراء الخارجية للدول الاعضاء في مجلس الامن ومع الامين العام للامم المتحدة كوفي انان. وقالت مصادر سورية في دمشق: "من الطبيعي ان يلتقي وزراء خارجية دول صديقة مثل روسيا والصين والجزائر والبرازيل". ورفضت الجزم في ما اذا كان على جدول اعماله لقاءات مع وزير الخارجية الفرنسي او البريطاني: على رغم ان هذا مستبعد، ولكن قد تحصل مستجدات وتطورات تستدعيه".

وافادت الوكالة العربية السورية للانباء "سانا" ان المستشار القانوني في وزارة الخارجية رياض الداودي يرافق الشرع الى نيويورك. واشارت الى ان المندوب السوري الدائم لدى الامم المتحدة فيصل المقداد سينضم الى الوفد.

ويهدد مشروع القرار الذي سينظر فيه مجلس الامن بفرض عقوبات اقتصادية على سوريا ما لم تتعاون تعاونا كاملا مع تحقيق الامم المتحدة، ويفرض حظرا على سفر المشتبه فيهم ويجمد ارصدتهم في الخارج.

ويذكر ان تقرير ميليس اورد اسماء مسؤولين امنيين سوريين بينهم شقيق الرئيس بشار الاسد ماهر، وصهره آصف شوكت وحلفاء لهما من المسؤولين اللبنانيين كمشتبه فيهم محتملين في اغتيال الحريري.

وزير العدل السوري

واكد وزير العدل السوري لصحيفة "تشرين" السورية ان "سوريا بريئة من هذه الجريمة وهي على استعداد لملاحقة أي سوري يثبت بالدليل القاطع علاقته بها وتقديمه ايضا الى المحاكمة ... هذه اللجنة ستتعاون مع لجنة التحقيق الدولية، ومع السلطات القضائية اللبنانية ... وستساهم مساهمة فعالة وجدية في الوصول الى الحقيقة التي هي في مصلحة سوريا".

واوضح ان اللجنة ستتولى "مهمة مباشرة التحقيق مع كل الاشخاص السوريين من مدنيين وعسكريين، في كل ما يتصل بمهمة لجنة التحقيق الدولية".

واكد ان الرئيس الاسد وعد في رسالة وجهها الى واشنطن ولندن وباريس الاربعاء بملاحقة أي سوري على علاقة بقتل الحريري.

دخل الله

الى ذلك، صرح وزير الاعلام السوري مهدي دخل الله في مقابلة مع قناة "الجزيرة" الفضائية القطرية، بأن لجنة التحقيق السورية تعد خطوة متقدمة على الطريق الصحيح نحو الوصول الى الحقيقة.

وقال ان هذه اللجنة شكلت على مستوى رفيع من المهنية وانها مخولة البحث في كل سبل التعاون مع لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الحريري واجراء التحقيقات اللازمة مع جميع السوريين سواء أكانوا مدنيين أم عسكريين بما يخدم الحقيقة.

وسئل هل ترضي اللجنة الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن، فأجاب ان هدفها هو المساعدة في الوصول الى الحقيقة، مشيرا الى انه لوحظ ان تقرير ميليس يبتعد شيئا فشيئا عن الطريق الحقيقي للوصول الى الحقيقة.

وابرز اهمية البعد العربي في الازمة التي تمر بها دمشق، قائلا ان سوريا تدافع الآن عن قضايا هي في الاصل قضايا عربية وليست ثمة مشكلة سورية بالمعنى الضيق.

قيود على القادمين

وفي اطار الخطوات السورية المتسارعة، اصدرت وزارة الداخلية السورية أخيرا تعليمات تقضي بـ" التدقيق في اوضاع القادمين الى سوريا عبر المنافذ الحدودية من الفئات العمرية بين 18 و30 عاما لمنع دخول وتسرب مشبوهين للقيام باعمال ارهابية داخلها".

واستثنت التعليمات "من لديهم اقامة دائمة في سوريا ومن يمثلون شركات تجارية ومؤسسات عامة والديبلوماسيين والموفدين الرسميين والمدعوين لحضور مؤتمرات ومعارض وزيارات رسمية وانشطة عامة والتجار ورجال الاعمال والطلاب الذين يدرسون في الجامعات السورية ويحملون وثائق تثبت ذلك".

وطلبت الوزارة في تعليماتها من الجهات المعنية التابعة لها اعادة اي مشبوه من حيث اتى.

واوضحت ان هذه الاجراءات تأتي تأكيدا لتعليماتها السابقة، وانطلاقا من الحرص على الامن والاستقرار الذي تنعم به سوريا.

وفي هذا الصدد قالت مصادر سورية لـ"النهار" ان الاجراءات السورية لا يمكن فصلها عن جملة الملفات الاخرى التي تحاصر سوريا سواء في الموضوع اللبناني او الفلسطيني، ويبدو ان سوريا ارادت ان توجه جملة من الرسائل عبر تلك الاجراءات المشددة على حركة القادمين، اولاها انها مستعدة للتعاون في مسألة ضبط الحدود مع العراق وانها معنية بانجاح العملية السياسية في العراق وانها مستعدة كذلك للتنازل عن بعض مصالحها في سبيل ذلك خاصة". واضافت: "نحن نعرف ان دمشق ستتأثر من جراء التضييق على زوارها وسائحيها من العرب بسبب تلك التعقيدات الامنية، لكن الاجراءات الاخيرة تفصح عن تخوف دمشق امنيا من حركة القادمين الها، فكما ان تلك الاجراءات تخفف وتحد من حركة العرب الذين يودون دخول العراق بطريقة غير شرعية، فانها في الوقت ذاته تعبر عن مخاوف سورية على الامن الداخلي من حركة القادمين اليها من العرب وربما ممن يأتون اليها من العراق ذاته".

مخاوف المعلم

وتابع المعلم جولته العربية، محاولا حشد التأييد العربي، فانتقل من المملكة العربية السعودية الى قطر.

وأفادت "سانا" ان أمير قطر الشيخ حمد بن خيلفة آل ثاني استقبل المسؤول السوري الذي نقل اليه "رسالة شفوية من الرئيس الاسد تتعلق بالاوضاع الراهنة في المنطقة، والتعاون القائم بين البلدين الشقيقين وكذلك المداولات الجارية في مجلس الامن في شأن لجنة التحقيق الدولية المستقلة بالاضافة الى علاقات التعاون بين البلدين والسبل الكفيلة بدعمها وتعزيزها". وقالت ان الشيخ حمد حمل المعلم "تحياته وتمنياته الطيبة الى الرئيس الأسد، مشددا على وقوف قطر حكومة وشعبا الى جانب سوريا في مواجهة الضغوط التي تتعرض لها من بعض الاوساط الدولية".

كما اجتمع المعلم مع وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني.

ونقلت "سانا" عن المعلم "استعداد سوريا لمواصلة التعاون مع لجنة التحقيق الدولية من أجل كشف حقيقة جريمة اغتيال المرحوم رفيق الحريري". وشدد على "خطورة زعزعة الاستقرار في سوريا". قائلا انه اذا حصل ذلك "فسينسحب على المنطقة برمتها".

ولدى وصوله الى الدوحة صرح بأن "بعض أوساط مجلس الامن تحاول ان تجعله محكمة لتطبيق الفصل السابع على سوريا ظلما".

ومعلوم ان الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة يتيح اللجوء الى القوة لاجبار الجهة المدانة على الامتثال لقرارات مجلس الامن.

ووصف المعلم القرار المتوقع ان يصدر عن مجلس الامن بأنه "خطير".

وقال: "هذا قررا خطير جرى التحضير له قبل شهر من صدور تقرير ميليس وذلك من خلال اجتماعات في باريس ولندن وواشنطن". وأضاف: "لم نفاجأ بمشروع القرار لأنه يستهدف سوريا والمنطقة وليس التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الحريري".

ولفت الى ان تقرير ميليس "تحدث عن حقيقتين، الاولى انه لا يزال في بدايته، والثانية ان كل من ورد اسمه في التقرير بريء حتى تثبت ادانته". وشدد على ان التقرير "ليس كتاباً مقدساً وفيه ثغرات سياسية وقانونية كثيرة".

وذكر ان اللجنة القضائية السورية التي اعلن تأليفها السبت "تشكلت بمرسوم جمهوري وهذا يعني أن لها صلاحيات كاملة في التحقيق مع اي شخص مدنياً كان ام عسكرياً"، واضاف ان "صلاحيات هذه اللجنة محصورة في الاراضي السورية، لكن لديها تفويضاً للتعاون مع السلطات اللبنانية ومع لجنة التحقيق الدولية".

وتحدث عن تبادل "افكار" مع زعماء دول الخليج من اجل التعامل مع الازمة التي تواجهها سوريا بعد صدور تقرير ميليس، من غير ان يكشف مضمون هذه الافكار، مكتفياً بالقول ان "جوهر هذه الافكار هو التنبيه الى المخاطر التي تتعرض لها سوريا والمنطقة والظلم الذي يقع علينا".

وكان المعلم يتحدث الى الصحافيين في مطار الدوحة لدى وصوله من المملكة العربية السعودية حيث قابل الملك عبدالله بن عبد العزيز، وقال انه لقي "اصداء ايجابية وتضامناً تاماً من الملك ومن الشعب السعودي". لكنه اقر بأنه يشعر بالاحباط لعدم وجود موقف عربي موحد خلف سوريا.

مجلس الأمن

وتسعى الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، وهي الدول الثلاث التي ترعى مشروع القرار في مجلس الامن، الى اعتماده بالاجماع. وعارضت روسيا والصين فرض عقوبات، لكن الديبلوماسيين في الامم المتحدة لا يتوقعون ان تستخدما حق النقض "الفيتو" الذي تتمتعان به خلال جلسة المجلس.

وقد تمتنع الدولتان، الى الجزائر الدولة العربية الوحيدة التي تحتل مقعداً في مجلس الامن حالياً، عن التصويت على المشروع الذي يحتاج اعتماده الى تسعة اصوات على الاقل، وعدم اعتراض اي من الدول التي تتمتع بحق النقض.

وينتظر ان يشارك 11 على الاقل من وزراء الخارجية في الجلسة، الامر الذي يبرز اهمية القرار.

مصادر
النهار (لبنان)