من الواضح ان هناك بداية ورشة عربية لإيجاد «مخارج» لسورية من مأزق التحقيق في اغتيال الرئيس رفيق الحريري. هذا يعني بالكلام الواضح ان «الحقيقة» باتت معروفة وان كانت تقنياً غير جاهزة للاعلان، وان الاتهامات المبنية على «افتراض البراءة» ليست اعتباطية أو مختلقة. إذاً، هناك خوف شديد من المرحلة التالية للتحقيق، لأنها ستنتقل الى اثبات التهم بالأدلة، ومن أجل ذلك لا بد من مواجهة المشتبه بهم بالوقائع التي لم يعلن تقرير ديتليف ميليس سوى جزء بسيط منها، وهو ما يتوقع من اي محقق لا يزال في سياق عمله ولا يريد ان يحرق مصادره.

البحث عن «المخارج» يبدو مفهوماً، انطلاقاً من ان كشف الحقيقة ينبغي ان لا يتحول الى آلية للنيل من النظام السوري، بغية اسقاطه، وذلك تجنباً للانعكاسات السلبية على البلد نفسه. فحتى الآن، وعلى رغم اعلان الاميركيين انهم لا يريدون من سورية سوى «تغيير سلوكها» واعلان الفرنسيين انهم يعارضون العمل على تغيير النظام، يأخذ التحرك في الأمم المتحدة منحى تمويهياً يفترض فيه ان يلبي الهدف غير المصرح به. إذ ان خلاصات تحقيق ميليس ومشروع القرار المطروح على مجلس الأمن تؤدي مباشرة الى وضع العملية في منطق تغيير النظام، سواء بالتلويح بالعقوبات وفقاً للبند السابع من ميثاق المنظمة الدولية أو بالضغط لـ «التعاون» مع التحقيق الذي سمّى عملياً معظم أركان النظام بين المشتبه بهم.

«اللجنة القضائية الخاصة» التي شكلها الرئيس السوري هي بداية «التعاون» وليست بداية «المخرَج» من المأزق. آراء عديدة وجدت في هذه اللجنة خطوة صغيرة ومتأخرة، لكنها مع ذلك ضرورية. ولن تتأكد فاعلية هذه الخطوة إلا بعد امتحانها على المحك العملي. فمرسوم انشائها لا يقول إنها مستقلة، ولا يمنحها «صلاحيات» استثنائية، وإنما يكلفها بـ «التعاون» مع لجنة التحقيق الدولية والسلطة اللبنانية... ماذا يعني ذلك؟ ان «اللجنة القضائية الخاصة» ليست معنية في التحقيق باغتيال الحريري إلا بما يتعلق بالاشتباه بمسؤولين سوريين. وبالتالي فإنها ستجري مع هؤلاء «تحقيقاً» يهدف الى اثبات «براءتهم»، وخصوصاً «براءة سورية» وفقاً لتصريحات الرئيس بشار الأسد.

إذا قبلت هذه اللجنة السورية دولياً، فإنها قد تشكل فعلاً بداية «المخرَج»، كونها إطاراً سيادياً يتيح لسورية أن تحاكم متهميها، وبالتالي معاقبتهم إذا ثبتت ادانتهم. ومثل هذا الحل يبعد خيار انشاء محكمة دولية خاصة، الذي كان الرئيس الفرنسي صريحاً بالقول إنه غير متأكد من تحقيقه، ولعل جاك شيراك اراد الاشارة الى عدم نضوج فكرة هذه المحكمة في المداولات الدولية، أو لعله أدرك ايضاً أن اقتياد مسؤولين بارزين الى المحكمة يلامس بقوة فكرة «تغيير النظام». وكل اقتراب الى هذا «التغيير» لا بد أن يعقد التحقيق أو يدفع بدمشق الى سيناريو الكارثة.

في أي حال لن يحكم على اللجنة السورية إلا بمدى الجدوى التي تنعكس على تحقيق ميليس وتفعّله. وطالما أن هناك جدولاً زمنياً فمن شأنها أن تمارس تعاوناً مباشراً وسريعاً. وإذا لم يلمس القاضي الألماني فارقاً جوهرياً، فإنه سيجهر بذلك في تقريره المقبل، مع مزيد من الاتهامات، وبوضوح أكبر هذه المرة.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)