للوهلة الاولى يبدو قرار مجلس الامن الرقم 1636 مخففاً لأنه تجنب توجيه تهديد مباشر لسورية، أو/ و فرض عقوبات فورية عليها، لكن المتأمل في القرار يجد انه لا يختلف كثيراً عن الفصل الحادي عشر في نظام الشركات الاميركي الذي يعني تطبيقه ضرورة الاعلان عن افلاس الشركة. فالقرار الذي يبدو رحيماً استند الى الفصل السابع، وهو فصل الافلاس في ميثاق الامم المتحدة، ونهايته مريرة ومدمرة، فهو يبدأ بكلام سياسي، لكنه ينتهي بأوامر عسكرية وأصوات مدافع وازيز طائرات، ولهذا نجد ان جميع القرارات التي تصدر بحق اسرائيل تتجنب هذا الفصل.

لا شك في ان القرار الذي صدر بحق سورية اول من امس «أسوأ من كل التوقعات» التي جرى تداولها عشية اجتماع مجلس، فهذا القرار فضلاً عن انه يتهم سورية في شكل مباشر بأغتيال رفيق الحريري، فهو ايضاً بدد آمال السوريين بالخلاص من كابوس ميليس، وافسد على دمشق كل السبل التي اعتقد المسؤلون السوريون وهماً انها ربما تساعدهم على الافلات من الازمة او التقليل من آثارها. صدر القرار بأجماع دولي فسقط الرهان، وفي الجولة الاولى، على موقف صيني - روسي مفترض، وتبنى تقرير ميليس الذي اعتقدت دمشق انها نجحت في التشكيك بصدقيته وعدم استناده الى حقائق، وفرض على دمشق اعتقال المسؤولين او الاشخاص السوريين الذين اشتبه ميليس بتورطهم، واعطى للجنة سلطة تقرير مكان واساليب اجراء المقابلات مع المسؤولين والاشخاص السوريين الذين ترتأي اللجنة ان لهم صلة بالتحقيق. باختصار نسف القرار كل التحركات والتصريحات السورية، التي سبقت وصاحبت تقرير ميليس، وصنفها في خانة المخالفات، ومواجهة الشرعية الدولية.

الاكيد أن قرار مجلس الامن 1636 لا يحتمل تفسيرات متفائلة، فهو اتهام صريح لسورية يصل الى حد الادانة، والمطالب التي تضمنها القرار تؤكد هذا الاتهام وتزكيه، فضلاً عن ان هذه المطالب ليست شكلية او من النوع الذي يمكن التحايل عليه بالتصريحات والبيانات السياسية. والاخطر من ذلك ان رد فعل دمشق على القرار لا تدعو الى التفاؤل ايضاً، فكلمة وزير الخارجية السوري فاروق الشرع كانت استمراراً للغة التحدي التي انتهجتها دمشق منذ البداية، لكن رغم تصرفات الشرع التي تذكرنا بمواقف طارق عزيز التي ادت الى خراب البصرة، وزوال العراق القديم، فإن الفرصة لا تزال سانحة امام سورية للخروج من هذه الازمة بثمن مقبول. ولعل قناعة جميع الاطراف الدولية بأهمية وجود نظام مستقر في سورية تشكل مخرجاً لدمشق من ازمتها، لكن السؤال هو كيف تستطيع دمشق استثمار خوف المجتمع الدولي من الفراغ الذي سينشأ في حال استهداف النظام في دمشق؟

سورية هي المخولة وحدها للاجابة على هذا السؤال، لكنها قبل التسرع بالاجابة لا بد ان تدرك ان هذه الازمة لايمكن تمر بلا ثمن، وهذا الثمن يزداد حجمه يوماً عن آخر، وان الرهان على موقف داعم من هذه الدولة او تلك اصبح شيئاً من الماضي بعد صدور قرار مجلس الامن، وان القضية الآن اصبحت امام خيارين لا ثالث لهما اما التضحية بالنظام، او التضحية بأشخاص فيه، وان فسحة الوقت بدأت تضيق في شكل متسارع بعد صدور القرار 1636 الذي تضمن مهلة محددة لتحقيق بنود واضحة ومحددة.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)