ثمة قراءة ثانية لخطاب الرئيس السوري بشار الأسد لا تخفف من أجواء الحرب، لكنها لا تؤدي بالضرورة الى إطلاق النار، ولا تجعله خيارا وحيدا، بل لعلها تستدعي التوصل في اللحظة الاخيرة الى تسوية مقبولة من الطرفين لآخر المشكلات العالقة بين دمشق وبين كل من واشنطن وباريس.

كان الرئيس الأسد حاسما بشكل قاطع في رفضه ان يصل التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري الى محيطه العائلي المباشر. العروض التي تلقاها منذ البداية من الاميركيين والفرنسيين تفيد بأنه هو شخصياً ليس متهماً او مشتبهاً فيه بالتورط في اصدار الامر، لكن عليه ان يسمح باستجواب شقيقه ماهر وصهره آصف شوكت من قبل المحققين الدوليين: لم يكن هناك ما يغري في مثل هذا العرض الذي يبقي الرئاسة السورية في قفص الاتهام وفي مجال الابتزاز الدائم.. وربما في مرحلة لاحقة في دائرة الاستدعاء.

العرض الاخير الذي تلقاه، والذي اكده اكثر من طرف عربي ودولي، ونشر في اسرائيل، يستثني شقيقه ماهر لكنه يطالب باستجواب صهره مع الضباط الخمسة الآخرين، وهو ما رد عليه في خطابه امس في مدرج جامعة دمشق بالرفض المطلق، من دون ان يقفل باب الحوار او التفاوض مع المحقق الدولي ديتليف ميليس الذي ثبت بما لا يدع مجالا للشك انه لا يملك وحده حق القرار في تحديد أسماء المطلوبين السوريين ومستوياتهم، بل هو تلقى توجيها صارما بعدم التعرض للرئيس السوري شخصيا والتخلي نهائيا عن الفكرة السابقة التي طرحها في المراحل الاولى من التحقيق بطلب مقابلة الاسد شخصيا في سياق البحث عن الحقيقة.

الاعتراض الذي عبّر عنه الرئيس الأسد في خطابه على دعوة الشهود السوريين الى المونتفردي حقيقي، لكنه لا ينم عن خوف من ان يجري اعتقالهم في لبنان.. وهي خطوة لا يمكن لأي قضاء لبناني مهما كان شجاعا ان يقدم عليها حتى ولو جاءت بقرار إجماعي من مجلس الامن الدولي: لا تريد دمشق المسّ بالكرامة السورية من خلال عودة حكام لبنان السابقين الى الاراضي اللبنانية ولكن هذه المرة كمطلوبين للعدالة.

الحساسية السورية تجاه لبنان ليست حالة عابرة، هي بنية راسخة في الثقافة قبل السياسة السورية، وهي الآن في ذروتها، وقد تجلت في خطاب الأسد اكثر من أي عنصر آخر، لا سيما في تلك الاشارة الى سايكس بيكو وطرابلس الشام، والتي كانت الفارق الوحيد عن الخطاب الذي ألقاه في الخامس من آذار الماضي، عندما نال من غالبية اللبنانيين أيضا واتهمهم بالعمالة والتآمر والعمل من اجل التقسيم والتوطين والتمهيد لتوقيع اتفاق 17 ايار جديد مع إسرائيل.

لكن ذلك لا يعني ان المشكلة صارت لبنانية سورية، بل إن الحل بات يعتمد على تلك الثنائية.. إذا ما وافقت واشنطن وباريس على المطلب السوري الاخير.

مصادر
السفير (لبنان)