التعامل مع المؤتمرات ينقلنا بشكل سريع إلى الرغبة في الإنجاز، أو تحقيق مكسب سريع وسط ضغط الحدث بانتظار الأيام القادمة. وربما نمت هذه الثقافة على إيقاع العقل الذي يحكم رؤيتنا في صنع المؤتمرات لحظة الأزمة، وخلال المراحل التي نراها معبرة عن التبدل أو التغيير ... فالمؤتمر السياسي مهما اختلفت سويته ترافق في ذاكرتنا مع "القلق" أو التكوين الحرج لمساحة زمنية خاصة. لكن علينا بالفعل أن نعيد هذه الصياغة وفق المشاهدة الأولية لما حدث في مؤتمر "بروكسل: محور من أجل السلام" الذي نظمته شبكة الصحافة الحرة (فولتير). لأنه بالفعل يعبر عن واقع التأسيس "المدني" داخل ثقافة امتلكت خبرة التعامل مع التوجه الاستراتيجي، وليس فقط قراءة الأزمة والبحث عن إنجاز داخلها.

لم يكن يجمع الحاضرين في المؤتمر توجه سياسي واحد، وحتى القراءات لطبيعة النظام الدولي كانت محكومة بصيغ مختلفة وفق الخبرات الشخصية أو العامة للمشتركين، والعامل الأساسي المحرك هو الرغبة في خلق تيار عالمي، مدني بالدرجة الأولى، في مواجهة حالة "الحرب" القائمة. والحرب هنا ليست عسكرية بالضرورة، بل هي الآلية التي تفرز العالم وتفرض نظاما واحدا له ممكناته بدء بالحرب الاستباقية وانتهاء بأشكال التدخل الإنساني.

مؤتمر بروكسل ليس محورا واحدا من أجل السلام.... هو أيضا تصور لخلق نواة جديدة تعمل على بناء تجربتها داخل العالم لأنها تعرف أن ما يحدث اليوم يقدم بالفعل ارتدادا حقيقيا على الكثير مما قدمته المجتمعات في تاريخها من الحداثة لما بعد الحداثة.

عمليا فإن الورقة النهائية للمؤتمر لم تكن مختلفة عن الكثير مما يظهر في وسائل الإعلام حول "رفض التدخل في السيادة الدول" ... أو التعامل مع "الاستقرار" بدلا من الحرب، لكن المهم هو قدرته على تجميع المساحات الضائعة في العالم داخل جغرافية واحدة، ثم دفعهم نحو المجتمع للبحث عن منافذ جديدة.

مؤتمر بروكسل كما نشاهده خارج عقلية "التسرع" أو "الإنجاز" ربما يشكل نافذة ضرورية للتعامل مع ما يحدث على أساس المحاولة لإيجاد البدائل وليس فقط رفض الحرب. وهو كأي عمل يمكن أن يتواصل ويستمر .