ربما ليس بالتزامن مع جولة رايس في المنطقة حدثت التفجيرات في العراق، فما تسعى إليه الخارجية الأمريكية اليوم ليس إشعال العراق، فهذا الأمر تحقق بالفعل، بل المطلوب خلق مساحات جغرافية جديدة تشهد حصارا، او اختناقا يؤدي إلى ازدياد الشك القائم داخل مجتمعات ما سُمي بالشرق الأوسط الكبير.

الولايات المتحدة اليوم ليست محرجة من "المجزرة" الدائمة في العراق، لأن الجغرافية التي تحدث عليها المأساة تنتمي إلى "المناطق الضائعة"، وإلى الشكل النمطي الذي بات الجميع مقتنع بأنه موجود ولا حاجة للبحث عن مخارج له. والولايات المتحدة أيضا ترى في "الشرق الأوسط الكبير" مجالا حيويا لمحاصرة العنف والإرهاب، واستخدام مكوناته الثقافية لبناء التناقض المنتشر منذ احداث أيلول ما بين جغرافية "النور" و "الظلام" فالمسألة بالنسبة إليها تتعدى التفكير "المنطقي" بالمصلحة التقليدية حول النفط أو الأسواق، لأنها في النهاية تشكل مفهومها الخاص حول عالم "أكثر أمنا".

بالطبع فإن الهم الأمريكي يبقى معلقا نحو الصين، ويبقى البحث حتى عام 2025 عن المقارنات في الدخل القومي ما بين الصين والولايات المتحدة، فالمسألة متعددة الجوانب لكن جغرافية الشرق الأوسط هي مساحة صراع داخلي بالنسبة للإدارة الأمريكية، فمساحات القلق المزروعة فيها ستتيح عمليا التعامل معها وفق مفردات جديدة، وبعيدا عن اعتبارها كتلة مترابطة في مسألة الأمن والاقتصاد ... فهل ما حدث بعيد عن التفكير الفعلي للإدارة الأمريكية!!!

ربما ما لم تتوقعه الولايات المتحدة هي تلك الاستجابة التي مارسناها منذ 11 أيلول، وهي استجابة اجتماعية في الافتراق والغوص في الصورة النمطية ... او الدخول في نفق جديد لتوليد القلق والشك في مختلف الاتجاهات. وما لم تتوقعه الولايات المتحدة أن نخلق مجالات جديدة لخلق "مفردات" للتعامل معنا ربما لا تختلف عن الحلم الأمريكي في رؤية مجتمعات المنطقة.

سجل تفجير المساجد، على اختلاف مواقعها، أمس في بغداد مساحة جديدة في استجابتنا لما يحدث، فالجماعات التكفيرية ليست مسؤولة عما حدث، بل كلنا مسؤولون لأننا لم نستطع وضع انفسنا داخل مجال جديد للتفكير ... وهل يختلف ما يحدث في لبنان عما يجري في العراق رغم اختلاف حجم العنف!!! أم هل يمكننا رؤية رغبة الولايات المتحدة في خلق "جغرافية" معزولة منفصلة ما بين سورية وفلسطين وحتى ... مصر.

ما تفعله الولايات المتحدة لم يعد يدخل فقط في إطار الحرب الاستباقية، بل هو خروج عن المألوف في رسم الاستراتيجية، وما نفعله نحن هو أيضا خروج عن المألوف في رؤيتنا لأنفسنا ولقدرتنا!!!!