ليس تعصبا أو محاولة لتخفيف حدة الضغط السياسي، ولكن مسألة "تحالف الحضارات" تحتاج لأكثر من الرغبة في عقد مؤتمرات سياسية، وإذا كانت الخطوة الأولى في الدوحة فإن الصورة لا تكتمل إلا في مساحات أخرى تحاصرها الرغبة في الحرب، بينما يتجسد بقاؤها ليس في التحالف أو التعايش بل بضرورة التنوع لأنه يعني استمرارها.

وإذا كان هناك من ضرورة لتكسير الصور النمطية فإن علينا بالفعل البحث عن الجغرافية التي يمكن عبرها خلق مثل هذا التكسير. ومن جديد ليس تعصبا لدمشق أو لغيرها من العواصم التي شهدت الاختلاط "الخلاق"، بل لأن التاريخ الذي لا يعيد نفسه يضعنا مباشرة أمام مساحات حضارية علينا التعامل معها بجدية، وهي مساحات بحجم "الفيض" الذي حملته الديانات وانطلقت به إلى العالم، وهي أيضا جغرافية كان لا بد لها من تقديم الصور المتتالية لتقدم الزمن بدلا من وقوفه على عتبة واحدة.

"تحالف الحضارات" يبدو عنوانا واسعا للقاء المفكرين، ولكن حركة الحياة تضعنا أمام استحقاق يومي يحتاج لأكثر من موضوع اللقاء، وربما لاستبدال منهجية الفكرة لأن التحالف يمكن ان ينفرط عقده في أي لحظة، بينما يبدو لنا أن "التنوع" الحضاري هو الشرط الذي يفرض نفسه اليوم مع الرغبة في تكريس خطاب الافتراق، سواء صدر هذا الخطاب عن رامسفيلد أو الظواهري أو غيرهم من منظري الحرب على طريقة حتمية الاقتتال.

وفي اللحظة التي يبدو فيها مفهوم الحوار لونا فاقعا داخل مؤتمر الدوحة، نبحث في الأفق عن آليات هذا الحوار، وعن الطريق لاستبدال الصورة النمطية بحالة من التفاعل المستمر ... فننطلق من الجغرافية التي عاصرت أشد اللحظات قسوة وأكثرها جاذبية لأنها كانت قادرة على خلق حالة انفتاح دائم، والتحول نحو ثقافة أرقى. فالصورة النمطية لا يستطيع كسرها سوى أصحاب القدرة على تجاوز الواقع، وعلى التعامل مع الزمن على انه حركة دائمة وليس توقفا ... أو حتى غرورا بأن "نهاية التاريخ" تعني تفوقا على "الشرق القديم".

ربما على "تحالف الحضارات" ان يخطو نحو مساحات جغرافية جديدة، ومن جديد ليس تعصبا لدمشق، ولكن لضرورة لا بد منها في تقديم رؤية تملك عمقا في التاريخ وتحلم بامتداد نحو المستقبل .. ولأن الجغرافية هنا أقرب إلى أعتى مساحات التعصب، وتقاوم التطرف رغم كل الصور القاتمة التي تضغط عليها ... فهل يمكن أن نشهد من جديد انطلاقا لـ"تحالف" ولكن بقدرته على تجاوز تقليدية النظرة أو الفكرة او حتى التعريف التقليدي لـ"الحوار" ...