في نهاية الخمسينيات أغرقنا الخطاب السلفي وعلى الأخص كتابات سيد قطب بمبدأ "الحاكمية"، وكانت رسائله من السجن حول هذا الموضوع تظهر وكأنه وصل إلى ضالته في وضع مذهب سياسي. وبالطبع فإن التيارات الأخرى لم تنظر بشكل واضح لما يمكن ان يشكله هذا المذهب من تشتيت اجتماعي، لأنها كانت مشغولة بعمليات التبديل الاجتماعي، وغارقة في وهم انتصارها على الثقافة القديمة.

في عام 1967 بدا واضحا أن النخب الثقافية فقدت المعايير التي اعتمدتها في بناء "المجتمع الجديد"، حيث وجدت نفسها امام هزيمة كان وقودها الأجيال "الجديدة" وقياداتها من أصحاب الخطاب المؤمن بـ"الجديد".

وبعد الهزيمة بأقل من عشر السنوات أصبح مبدأ الحاكمية يفرز تيارات كثيرة استخدمت العنف، وطغت على الساحة السياسية وكأنها ظواهر شاذة داخل مجتمعات لم تفرح كثيرا بنصرها بعد حرب تشرين.

و"الحاكمية" لم تنتظر كثيرا حتى امتلكت قاعدة من خلال "حرب افغانستان" ولم يمض عقد الثمانينات حتى كانت "حركات التحرر" لها سمة دينية ومنبثقة عن مبدأ "الحاكمية".

ربما لن يطول الزمن كثيرا حتى نشهد أبوابا جديدة من تطور الحاكمية على أرضية السياسة في المنطقة، على الأخص مع الحرب في العراق التي أعطت دفعا لـ"المجاهدين". لكن المسألة برمتها مسؤول عنها التيار الحداثي إن وجد .. لأنه اعتقد لفترات طويلة أن الثقافة القديمة تذوب تدريجيا، وهو يكتشف اليوم أن الحداثة اسم منسي في ثقافتنا الاجتماعية ...