المشكلة الأساسية في "الطريق الثالث" هو صعوبة تعريفه بشكل مجرد، أو مستقل، فإن إعطاءه أبعادا تجعل وصفه أمرا أكثر تعقيدا من البيانات السياسية التي تعتبر نفسهاأحيانا "تيارا" ثالثا، حيث لا نوجه حلولا اقتصادية وسط واقع سياسي مستقر، بل مجالا مغريا للاستقطاب ولاعتبار الحلول يمكن التعامل معها بشكل مطلق، وضمن خطاب يلامس "النخب"، بينما يبدو الشارع السياسي أبعد ما يكون عن "الرؤية الثقافية" للتيار الثالث.
والطريق الثالث منذ ظهوره أوائل القرن الماضي ووصولا إلى إعادة طرحه من قبل توني بلير ظل خاضعا لتعابير ضبابية، لأنه يستند أساسا لتناقض النظريات حوله ساعيا لإيجاد منافذ بينما. فهو يبدو وكأنه مزيج بين سياسات اليمين واليسار. فدعاة الطريق الثالث عادة ما يعرفونه بالنفي ( أي انه ليس كذا أو ليس كذا). ان ذلك يبين ما قرره المفكر الاجتماعي Ralf Dahrendorf في مجلة New Statesman من ان ذلك هو اكبر مشاكل الطريق الثالث جوهرية.

أما أكثر الآراء إيجابية فهي التي تصف الطريق الثالث بأنه سياسات ما بعد الإيديولوجية حيث ليس هناك مشاكل لا تستطيع الإنسانية إيجاد حلول لها. لذلك فان الطريق الثالث ليس مجرد عملية إعادة مراجعة للديمقراطية الاجتماعية بل يشكل ترتيبا غير معتاد لأفكار تستند على الانقطاع الحاد الذي حدث في التواصل السياسي بشكل يجعل الكثير من المسلمات السابقة غير ذات بال أو لا معنى لها.

ان الهدف أو المضمون الذي يجمع دعاة الطريق الثالث تاريخيا هو إيجاد نظام يحقق التوفيق بين فكرة الحرية الفردية وفكرة العدالة الاجتماعية بما يساهم في رفع مستوى الفرد وحياته المادية والمعنوية. وهناك قناعة بأن سبب فشل تجربة الاشتراكية السوفيتية هو سيادة الاعتقاد بأن الفرد لا يمكن ان يقوم بالتضحية بمصالحه الفردية بدون إكراه وكان نتيجة ذلك سيادة القمع والتسلط وفي مقابلها التمرد مع حرص الفرد على الاحتفاظ بقدراته وإمكانياته الخلاقة لحياته الخاصة .

أما الرأسمالية التي أطلقت العنان لحرية الفرد فقد قادت إلى التضحية بالصالح العام وسيطرت النزعة الفردية خاصة في ظل صعود رأس المال لسدة السيطرة العالمية في عصر العولمة وما تنتجه من تفاوت. ووفق هذا التحليل اتجه النظر إلى البحث عن طريقة يمكن ان تنهي التناقض بين الرأسمالية والاشتراكية بأخذ حسنات كلا منهما وصياغتها في قوالب مغايرة.

لكننا عندما نترك المجال النظري الناشئ داخل "الجغرافيات" المستقرة، فإننا نواجه واقع يتحمله "الطريق الثالث" في خلق ثقافته داخل تيار يعرف تماما أن مهام التحول ليس بيانا سياسيا بل هي عودة جديد لثقافة الطبقة الوسطى، التي أنتجت منذ أوائل القرن الماضي التحرك الفعال داخل الشرق الأوسط.