إذا استطعنا التحرر من المصطلحات فإننا لن نعجز عن الدخول في صلب "الطبقة المتأرجحة" في المجتمع، أو تلك التي تعب الباحثون في تعريفها بأنها تقع في منتصف الطريق، فالمشكلة أن ارتفاع حجم القابعين تحت خط الفقر في سورية لم يبدل كثيرا من التكوين الاجتماعي، لأن قلة ذات اليد لا تشكل على ما يبدو معيارا حقيقيا لهذه "الطبقة" التي باتت اليوم تحت المجهر، على الأخص أن خبراء التنمية يرجعون كل أسباب العنف لتراجع "الفئة الوسطى" أو التي نريد أن نراها "متأرجحة"!!

أما لماذا متأرجحة فلأننا وسط الإصلاح الاقتصادي نحاول البحث عن عمليات الدعم التي تم تقديمها، ابتداء من محاربة البطالة ووصولا إلى القروض "الميسرة" التي تتعامل مع الواقع وفق بناء افتراضي، مثل إقراض "العقاري" المحدود بـ"رقم" لا يتيح سوى اتساع العشوائيات. أو حتى قروض التوفير التي تُراكم حسميات الراتب الخاص بأي موظف، فتتأرجح "الطبقة" التي اعتبرت تاريخيا صورة لتحول المجتمع، وتنمو بدلا من أن تتآكل ولكن وفق قانونها الخاص في التقلص، أو في اعتماد ثقافة "الأمر الواقع".

عندما نريد توصيف "الطبقة الوسطى" فإننا سنقف بلا شك ضمن حداد الدراسات التي قدمت عبر "ماكس فيبر"، ولكن ماذا لو أننا مازلنا نقف عند حدود الإنتاج الريعي، أو تستهوينا الشركات العائلية، وسمسرة "السيارات" المصطفة على الأرصفة مانعة المارة من العبور إلى المنازل أو حتى إلى الحياة .... لكننا بلا شك مضطرون لحجز موقع لهذه "الطبقة" داخل الحياة ... فهل نقدم اقتراحات للبحث تضيف لما يريده الباحثون في الاقتصاد السياسي من معاني وقائع جديدة لهذه الطبقة ...

 أولا: إنها فئات متأرجحة ما بين "الطموح" الاقتصادي ورغبتها في "هوية" اقتصادية. فعندما تظهر الاستثمارات يبدأ التفكير بحجم المهن التي سيتم سحبها من الأسواق لصالح "الأعمال الكبيرة" ... وعندها يمكن أن نفكر بالعودة إلى "التوظيف" في أي قطاع عام أو خاص أو حتى "متوسط".

 ثانيا: إنها فئات كانت تحسب أن حصانتها التعليمية ستعفيها من القلق المستقبلي، لكنها في نهاية التحصيل الجامعي تكتشف أن تكديس المعارف في الجامعات لن يحول دون وقوفها خارج نطاق التأهيل الحقيقي ... فالمسألة أن سوق العمل أصبح "طبقي" بطبعه.
 ثالثا: إنها أجيال انتقل من ثقافة آبائها الذين آمنوا بالتعليم، إلى مساحات الحرفة والقدرة على إيجاد طريق خارج الإطار الأكاديمي أو التعليمي العادي، طالما أن التعليم الذي ظهر كأمان من الفقر أصبح ضمانة لتضيع الوقت ..... فالتعليم على ما يبدو بحاجة لإعادة تعريف، فهو ليس ضرورة تمليها طبيعة الحياة وتطورها، فهذه الطبقة تعتبره بوابة لمهنة وليس سلاحا لامتلاك الجرأة على الإنتاج.

ليس انتهاكا لحق هذه الطبقة ... أو انتقاصا من قدرها ... لكن هناك ضرورة لإعادة صياغة أنفسنا قبل أن نبحث عن الطبقة الوسطى أو المتأرجحة على مفاهيم وظروف متباينة.