المسألة كما تظهر ليست "سلاح المقاومة"، فهو إحدى النتائج التي ظهرت مع ممارسة يمكن اعتبارها "إشكالية" ولكن بالمعنى الحداثي للكلمة، فهي ليست أزمة بل مجموعة أسئلة تظهر داخل مساحة التفكير بعد كل خطاب للسيد حسن نصر الله. إنها الأسئلة التي تفرضها طبيعة الخطاب الذي لا نستطيع فصله عن "التراث" نظرا للشخصية التي قدمته، ولكننا في نفس الوقت نواجه وعيا حداثيا في مفرداته يفوق في كثير من الأحيان صيغ "الخطاب العلماني" الذي تقدمه بعض الأحزاب.

خطاب "حزب الله" ليس مفصولا أيضا عن التجربة التاريخية لهذا الحزب، منذ تحوله إلى أداة مقاومة وانشغاله ببناء مؤسسات "دفاعية" إن صح التعبير نتج عنها آلية بالمقاومة وبالتعامل السياسي. وهذه الصورة ربما يتفق معها البعض أو يختلف لكنها في أوج صراعها قبل الانسحاب الإسرائيلي، بقيت تمتلك لمفردات خطاب سياسي مناور وقادر على "الفهم المرن" لمساحة المعركة ببعديها السياسي والعسكري.

ما أهمية هذه الصورة؟! إنها مرتبطة أساسا بالصراع من أجل الحداثة والعلمانية التي تخوضها، ونخوضها نحن، منذ بداية "عصر النهضة" حتى اليوم، حيث لم يحقق "العلمانيون" و "الحداثيون" أي نصر واضح المعالم داخل المساحة الاجتماعية. في المقابل فإن "حزب الله" بالمفهوم العام هو تشكيل ديني وظهر ضمن "طائفة" محددة، لكنه يقدم توازنا سياسيا على امتداد تاريخه القصير، واستطاع أيضا تحقيق مساحة في البعد "اللاطائفي" وربما "الحداثي" في فهم الدولة، كما يبدو على الأقل من التصريحات الرسمية لمسؤوليه، ما لم يحققه أي فصيل سياسي آخر. وهو على علاقته القوية والمباشرة بسورية وإيران، بقي لبنانيا في حرصه أكثر من مختلف التكوينات التاريخية الموجودة داخل لبنان.

هذا المعادلة محيرة؟ وهذه المعادلة تحتاج لقراءة لأنها اتجاه مباشر نحو فهم علاقة ما بين الحداثة والتراث والدين والعلمانية، نحتاجها لفهم أوضح إذا أردنا بالفعل إعادة رؤية كل مفردات خطابنا المعاصر. فالمسألة تخرج اليوم عن تأييد حزب الله أو مناصرته أو الاتفاق مع طروحه السياسية، لأننا أمام إشكالية ثقافية بالدرجة الأولى.

بالطبع فإن الحضور القوى على الساحة الشعبية لحزب الله يمكن فهمها من طبيعته الدينية أو المذهبية أو المقاومة، لكن اتزان هذا الحضور وتوظيفه بفاعلية داخل إطار "الدولة" كتعبير حقوقي عن كل لبنان هو ما يحتاج لبحث ودراسة. والتجربة الدقيقة ما بين المقاومة والسياسة، ثم "الصمود" و التعاطي المفتوح مع كافة الاحتمالات السياسية، هي أيضا زاوية "ثقافية بامتياز" وليست شأنا مرتبطا فقط بنوعية "حزب الله" بل ربما بمفهومه الخاص لكل مفردات التعامل مع الحاضر. ومن هذه الزاوية علينا أن نعيد قراءة تجربة هذا الحزب، والتعامل معها وفق أبعاد لا ترتبط بالضرورة بتجربتها "اللبنانية" بل أيضا بالشكل الثقافي العام لتداخل الحداثة والتراث داخل مجتمعنا ككل.