تحويل الأزمات إلى أحرف علة لم يعد شأنا مألوفا فقط، فهو المظهر الحقيقي لكل ابتداع جديد يمكن ان تتحفنا به بيانات الإنترنيت، لأن صيغ الأمر قادرة على احتلال كل المساحة المتبقية في أذهاننا، مع الحذف "اللغوي" للأزمات على اعتبارها "علة" الحاضر التي يمكن تجاوزها بفرض وجهة نظر نهائية ومطلقة.

لكن تسرب "أحرف العلة" إلى فضاء تفكيرنا هو في النهاية أكثر من ظاهرة، لأنه يشكل تكتيكا واضحا في بنية علاقاتنا الداخلية سواء كانت داخل المجتمع، أو في الخطاب و "التخاطب" الإعلامي، أو حتى في التجاذب السياسي الذي يحتل "أصغر" مساحة من التبادل والحوار، لأن طرح ما يجب وما كان وما يلزم أن يكون ينهي الحياة برمتها ولا يبقي منها سوى الصور القديمة لحروب القبائل، أو الصراع على الغنائم أو حتى عمليات السبي والغزو في زمن القحط.

وبما ان المستقبل المنظور هو لـ"حروف" العلة، فربما علينا إعادة تثبيتها على الخارطة الثقافية كأبجدية، وليست استثناء أو عللا أصابت الثقافة والمجتمع ... وشكلا طارئا في حمى بناء "عالم" أكثر أمنا على طريقة الإدارة الأمريكية، أو محاربة "الطواغيت" وفق آلية "القاعدة" التي تتقن بشكل كامل طبيعة "حروف العلة".

لكن توسيع الدائرة لا يفيد، فأحرف العلة كانت قليلة وفق حجم حياتنا، وتضخمت مع القدرة على التوسع السكاني وبقاء الثقافة على مقاس مجتمع موزع داخل الحارات، فإذا ازداد الضغط الثقافي على المجتمع انفجرت أحرف العلة لأنها قادرة على تجاوز "الضيق الثقافي"، ورسم العقول على الطريقة الفردية التي يهواها البعض، فيسهب في استخدام أدوات الجزم لأنها تمسح الأزمات بأسرع مما يتوقع البعض، وتؤجل "الشفافية" و "الإنتاج" و "الابتكار" خارج مساحة الثقافة التي تطبق على أنفاسنا فنبتدع "الأحزاب" و "التيارات" و "البيانات" و "الخطط" المستقبلية بما يتوافق مع طبيعة حروف العلة و "هوائيتها" وربما هروبها من الأفواه بشكل سلسل.

المشكلة على ما يبدو ليست سياسية ... فهي لا تلامس البيانات التي تساوي خارطة النخب مع "جغرافية" الهواء، وهي أيضا لا تتشابك مع الإجراءات الرسمية والتحقيقات بشأن "التواقيع" أو تبني موقف سياسي دون آخر ... المشكلة أننا غارقون في "حروف العلة" حتى الثمالة في الماضي والحاضر ... وربما نجهل ان استخدام اللغة هو في النهاية معبرٌ ثقافي.