كم من المتعب التفكير بـ"طبقة سياسية"، فعندما تتوحد الملامح يصبح من الصعب التمييز بين "طريق" و "محور" أو "جبهة خلاص" و "مؤتمر معارضة"، لأن التساوي يضع الجميع خارج مساحات الوطن أو المواطن أو حتى المجتمع. وإذا كانت أناقة "المواقع" الإلكترونية تريد تحقيق معادلة "المعاصرة" فإن الحداثة بذاتها لا تظهر خارج الوطن، ولا حتى في التفكير بسورية كاحتكار سياسي داخل فكر أو برنامج يضعه مجموعة في زمن ما وينسونه عندما يتجاوزهم الحدث.
هل علينا أن نفكر من جديد بسورية؟! سؤال لا يحتاج لتفكير إذا حاول أو مهتم بالشأن العام، في موقع المعارضة أو ضمن المؤسسات الرسمية، أن يفسح لعينيه المجال خارج إطار "الاجتماعات" و "البيانات" و "الإعلانات"، وبعيدا عن المحاور والمؤتمرات.. فعندما نجوب الشوارع نكتفي بشعور واحد، يجمعنا على طريقة تعدد "الملامح" بدلا من تطابقها، ويرسم صورة المواطن الذي يملك يومه دون حاجة لمنحة خارجية أو عطاء ينبهه لضرورات جديدة... فالمواطن العالق في زحمة السير، أو الذي يتجادل مع شرطي المرور، أو حتى الذي يفتح نافذة السيارة ليرمي نفاياته ... ما الذي يقرأه من "معاصرة" البيانات، أو حجم التنظير حول "محور ثالث" ربما يحسبه صورة من باقيا الحرب العالمية الأولى.

لن نغرق في أسئلة من المسؤول عن عبثية التصرفات بالمدينة والبيئة وأساليب المعرفة ... لأن المجتمع ربما يفضل الاستماع لـ"واعظ" في عذاب القبر طالما أن عذاب الدنيا وضع طارئ و "العاقبة للمتقين"... فسيكولوجية المواطن ليست في "القهر" بمعناه التقليدي، فهو يتثاقل تحت استلاب العمل المدني والاتكال على "الصور السياسية" باسم المثقفين مهما كان موقعهم وموقفهم وتصنيفهم .. المواطن الذي كان "طبقة وسطى" أصبح ظلالا يتحرك بمساحة "العوام" بعد اغتراب الجميع عنه، واغترابه عن الحداثة لأنها الشعار الأمثل لعناوين مثل التنمية والديمقراطية والليبرالية و....

إعادة التفكير بسورية هي الرجوع نحو "رؤية الإنسان" كما هو قبل تفصيل شعارات وأهداف له، ومحاولة فهم غيابه عن الصورة التي حلم بها أصحاب النهضة ورجال الاستقلال وكل من حاول أن يعبر عن انتماء عام فاستشهد أو سجن أو كتب أو حتى استقال من صور "السياسة" باتجاه أقرب شخص يراه ليدقق في ملامح وجهه.
إعادة التفكير بسورية ليست فقط خطة منهجية، بل تحمل أيضا جملة أحاسيس بأننا نختنق نتيجة الاغتراب عن عالمنا، وعن معرفتنا بـ"جموع بشرية" هي في النهاية عقلنا الاجتماعي وصورتنا النهائية، والأهم أنها سورية تملك مشاعر وتغضب وتكره وتحب وتحلم بالمستقبل ... وتجاهد في حياتها كما ترتكب الأخطاء... ودون أي حل "إعجازي" نفكر بها على أنها سورية.