بالطبع نستطيع فهم عمليات "إشباع" الاحتياجات التي تعب المدرسون وهم يشرحونها لنا ضمن عملية الاتصالية، ونستطيع استيعاب ميول القارئ وقدرة أي مراسل في العالم على اكتساب الخبر واستخدامه لأنه "سلعة" تنفذ صلاحياتها بثوان ربما .. لكن المشكلة هي طبيعة التوتر التي تحكم "الخبر" عندما يصبح لونا للافتراق، أو لرسم صورة "النشيط" القادر على التعامل والخلط ما بين الحياة والصحافة، فيستطيع رسم الأخبار على حساب أي ثقافة تريد الظهور او النشوء.

في عملية الاتصال كما نعيشها اليوم "جمال" ربما لم يعرفه رواد الصحافة في بداية القرن الماضي، عندما اعتبروا أنهم مع كل احتياجات الإعلام يبنون "ثقافة" مفقودة في تراثنا، وينتقلون من "المشافهة" التي احتكرها رجال الدين إلى الكلمة المكتوبة التي تخلق تفاعلا جديدا. فجمال العملية الاتصالية هي في النهاية عودة أخرى إلى "المشافهة" لاستخدام كل أنواع "النقل" و "التواتر" في الإعلام، بدء من كلمة "صرح" و "أكد" وانتهاء بانتساب الخبر إلى فئة "الشخص" المجهول الذي يشكل "المصدر" المحمي بالقانون من الكشف.

وربما لا تظهر المشكلة في مصدر المعلومات، أو في الشغب الصحفي الذي يمارسه الكثيرون من المراسلين في نبش الأخبار، أو حتى في التكتم الرسمي على بعض الأخبار مما يدفع بالصحفي إلى دفع الأبواب الخلفية... فالمشكلة أساسا في أن الاتصال ليست "عملية – process" بقدر كونها إشباعا للذات في تأكيد القدرة على ممارسة الحرفية.

لا يمكننا العودة للوراء... والإعلام كما يبدو عليه اليوم مختلف كليا عن رغبات رواد الصحافة ... ولا نستطيع أيضا خلق مناخات مخالفة كل وسائل الاتصال الحديث، ولكننا على الأقل قادرون على إعطاء الحرفية نوعا من "المسؤولية" تجاه ثقاة الاتصالات التي ندخلها اليوم من بوابة "التشويش" أحيانا او القدرة على رسم الابتسام للسرعة في اقتناص الخبر.

ثقافة الاتصال اليوم أخطر من الخبر نفسه الذي يذهب لحظة نشره باتجاهات مجهولة، فالجمهور الذي لم يعتد القراءة وقفز مباشرة من "الحكواتي" إلى "الصحفي" لن يتابع "العملية" الاتصالية، ولكنه يذهب بعيدا في التقولات التي ننقلها مشافهة عبر سبق صحفي يحرق الكثير من ضرورات خلق الثقافة الجديدة.