ليس علينا أن نسأل كيف نصدق الأوهام ... لأن مسألة الوهم مرافقة لنا من صحوة التاريخ إلى رواية الإشاعة، ومن طاقة التصريحات إلى مساحات الهزيمة. لكن الوهم يستند أحيانا إلى مجالات إبداع روائي يخلط الطيف الضوئي بالخيال، فيرتسم لنا أن "الغد" قادر على استيعابنا بكل ما نملكه، في وقت لا يمكن لنا العبور إليه إلا بمصداقية الرغبة للعيش فيه.

في تجربة سورية الغد لون مشابه ربما علينا التوقف عنده ليس لأنه معايشة للصحافة أو لخلق "تيار ثالث" أو حتى لرسم الانتماء الفكري من جديد وبشكل مخلص للمستقبل. فتجربة الغد رسمت حلمها لكنها على ما يبدو لم ترغب في الانطلاق بشكل يعفيها من التعامل اليومي مع الماضي، لذلك لم تتعثر لكنها بقيت ضمن مساحة الحلم، ولم تستطع تصور الخارطة الاجتماعية فضاعت "صورتها الذهنية" على مساحات من "العلمانية" و "الفكر القومي" أحيانا و... الحداثة في جميع الأحوال.

عندما كان خيار "الغد" يرتسم سريعا داخل العقل، كان الحدث السياسي ربما أسرع منه، وكان التصور لمجتمع "فوق الحداثة" يتطور بعيدا عن التجربة التي نخوضها، ويخوضها غيرنا للبحث عن زحف تاريخي لم ينته بموت الزرقاوي، ولن ينته مع نهاية ولاية الرئيس بوش. لأن هذا الزحف الذي ينجو البعض منه لكنه يخلف بعض الأحلام التي تعتقد أن الحداثة يمكن توفير ممكناتها بتقنيات المصطلح التي تجتاحنا اليوم. وأن ثقافة الإنترنيت ربما يغلب عليها البريق .. هذا صحيح ... لكن هذا البريق ينتهي بنفس الطريقة التي يغادر بها مشاهد التلفزيون حالته النفسية عندما يتعثر بإعلان فيختار الانتقال إلى فيلم إثارة.

في مراحل العبور إلى "الغد" لم تكن التجارب سهلة ... لذلك فمن الصعب على البعض أن يتصور انهيار عالمه وظهور عالم لم نتلمسه بعد، وشكله الفيزيائي مازال قيد التطوير ... فالغد عملية وليس قناعة نؤمن بها ... والغد أيضا تحولا متعاقب وليس ثباتا مع رؤية واحدة تنتهي بحوار نخب معينة.

لن نصل إلى "الغد" بوسائلنا التقليدية ... ولا بمعارضتنا التقليدية ... أو ببرودنا وكأننا نعيش حلم ألف الكهف بعد أن "نجاهم ربهم" من الانزلاق إلى القناعات المسبقة. فنوم العميق والحلم ينتميان إلى زمن فردوس التراث الذي نعتقد أننا تجاوزناه .. و "الغد" ليس حسب التعبير المصري "لعب عيال" بل طاقة مستمرة ومتحولة برؤيتها وأشخاصها.