ليس دما باردا ما تصفعنا به وزيرة الخارجية الأمريكية، فالمسألة لا ترتبط بقلب الحقائق، أو حتى ببداية زمن علينا اعتياده كما اعتدنا من قبل أشكال الاستباحة، فالسيدة رايس، مع حفظ الألقاب، تعرف تماما أن الدم حار، والأطفال الذين نشيعهم كل يوم هم في النهاية أكثر من ضحايا ... فصفعة رايس الحقيقية جاءت بالنيابة عن الدم البارد للسياسيين الذين ينتظرون الحسم، وهم يشعرون أن الاغتصاب عملية طبيعية ... والسياسيون في المنطقة إجمالا كانوا قادرين على تجميل "الاغتصاب" بألوان التعقل ... أو حتى الابتسامات التي لا ندري هل تنقل متعة "الاغتصاب" أم لا مبالاة "الضحية".

السيدة رايس قادمة على شهوة "السياسة" في قبض الغنيمة، وعلى قانون القبيلة الذي استعاد مجده منذ اللحظات الأولى لتدمير لبنان، فالدم البارد لم يظهر في واشنطن بل كان اختراعا "عربيا" بامتياز، بعد أن أصبحت الاستباحة صورة قدرية يستطيع الفقهاء تدريسها كمادة مستقلة في التشريع التراثي.

والدم البارد هو تحول الحرب إلى مشاهدة ... فنحن نرفع كل رايات النصر لجرأة الإعلام العربي ولقدرته على تصوير القصف والدمار واقتحام المعركة، ونشهد أيضا لانتصار آليات النظام العربي في تحويلنا لمشاهدين جماعيين على الشاشات نراقب المدرعات تدخل وتنسحب والطائرات تقصف، ثم ننظر من النافذة حتى نعرف هل مازلنا بخير.

ما الذي نفهمه من دخول المدرعات وتحويل المجتمعات إلى صور "الفايتكونغ" ... سؤال ربما يجرنا إلى إعادة قراءة "الدولة" وواجباتها ... وإلى استرجاع التاريخ قليلا عندما هبطت كل القوة في الصحراء العربية استنجادا لدولة احتلها نظام آخر ... ثم عادت نفس القوة الدولية لتحتل بلدا جديدا ... فهل هناك داع للسؤال عن "دولة" أو حتى مهامها وواجباتها ...

ساعة الصفر فهمنها عندما تعرفنا على "الدم البارد" بصيغته الشرق أوسطية، وبالفعل فهناك "عسر" ولادة للشرق الأوسط الكبير وليس مخاضا كما قالت السيدة رايس ... لأن صور الحرب قادمة بينما يجول دمنا البارد نحو العواصم العالمية لبحث "مشروع ما" وهذا "الدم البارد" ليس مضطرا للذهاب إلى بيروت لمناقشه هذا المشروع ....

ليس هناك قراءات ولا نظريات ... فالمسألة كلها أننا منذ "عهود الاستقلال" نعيش كذبة كبرى في مسائل تخص كل واحد فينا ... لأن الدم البارد أنسانا كل ما نحاول أن نسعى إليه وأعادنا إلى نقطة "إنجاز الاستقلال" من "الدم البارد" تحديدا ... بعدها يمكن أن تظهر "الدولة" التي نعمل فيها كي ندفع الاستباحة ... ساعة الصفر ليست حربا على المنطقة ... بل التخلص من الدم البارد مهما كان مصدره.