لتكسير إيقاع التحليلات التي تبحث عن الصور المفقودة في العمليات العسكرية، فإن ما يمكن أن نتركه اليوم هو أكثر مما يجب علينا تبنيه، لأن حرب كشف أن سلاحنا هو في الطاقة المجنونة التي تستخدمها إسرائيل ضدنا، أو في القدرة على احتمال الهدوء السياسي بعد صيف حار.

ربما كان علينا الانتظار خمس سنوات حتى نكتشف أن "انتفاضة" الأقصى لم تكن حالة استثنائية في مساحة تفكيرنا، بل زمن جديد نجابه فيه "الأسلحة الناعمة" للتفكير السياسي، بينما نحلم أن تتوقف إسرائيل عن استخدام الرصاص الحي ضد الأطفال. لكن الانتظار كسر أكثر من مرة ولكن بـ"أسلحة ذكية" لسياسة كانت قادرة على نشر الأزمة أو اختلاق جغرافية افتراضية للصراع، فكانت حرب الاغتيالات من غزة إلى بيروت، إلى الاغتيال الجماعي في العراق ... لكننا لم نتخل عن حلمنا الأخضر بزمن "ديمقراطي"، وربما لا ذنب لهذا الحلم إلا أنه ترافق مع وسائل أخرى في تحقيقه، او صور فاقعة قدمتها الإدارة الأمريكية كنموذج في العراق ثم لبنان ثم....

والمسألة ربما تظهر في ابتداعنا لـ"الأسلحة الناعمة" عبر السياسة مهما كان مصدرها، محاولين الربط أحيانا بين الديمقراطية وقدرة المجتمع على الصمود، وأحيانا أخرى بين الصراع وضرورة البحث عن ديمقراطية تخصنا ... وفي كلا الحالتين كانت المسألة خاضعة لظروف طارئة نستوردها احيانا أو نتحايل في خلقها أحيانا أخرى ... لكن السمة الوحيدة هو بحثنا عن "الهدوء" ... فأسلحة السياسة الذكية تحاول بنعومة التعامل مع الواقع ورؤية المسائل بهدوء يشبه الموت...

حرب لبنان الأخيرة لم تكسر رغبتنا القاتلة في الهدوء ... أو حتى لم تقتل الخوف في داخلنا من قدرتنا على التعامل بجرأة مع ما يحدث، حيث بقيت السياسة تنظر لوقف إطلاق النار على أنه "حزمة" لا نعرف كيف يمكن التعامل مع آلياتها ... لكننا على الأقل نعرف أنها بالفعل حزمة تهبط على مساحة من الهدوء لذلك لا خطر عليها.

الأسلحة "الناعمة" التي نستخدمها في حربنا اليوم ربما تتناقض مع العنف الذي يحاصرنا، لكنها على الأقل، برأي البعض، ستتيح لنا حصد نتائج أفضل!!! لكنني حتى اللحظة لا أعرف من النتائج سوى الموت الممنهج الذي مارسته إسرائيل ... وسوى القتل الممنهج للأسلحة الناعمة التي ظهرت في التصريحات السياسية ... وفي أحيانا كثيرة في البيانات التي ملأت صفحات الإنترنيت بكلمات تعيدنا لعصر الخطابة.