عند اختلاف أجهزة الأمن الإسرائيلية في تقدير "رغبة" السلام السورية، فإن الاليات السياسية تدخل مرحلة من التخمين، لأن هذا الموضوع بالنسبة لإسرائيل لا يتعلق فقط بالشروط الدبلوماسية للتفاوض، بل أيضا برؤية خاصة تتعلق أيضا بطبيعة التوازن الذي يمكن أن تحققه أي تسوية قادمة.

عمليا فإن تباين وجهات النظر داخل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية تعكس حالة من الارباك نتيجة التفاوت ما بين واقع التوتر في المنطقة، والدعوات المتكررة التي أطلقتها دمشق من أجل تحريك التفاوض، فهذا الموضوع تم طيه منذ أحداث أيلول على أساس:

  أولا: تغير معادلة التسوية بعد إحداث تبدلات عميقة في المنطقة، ورغم أن احتلال العراق كان كفيلا بإحداث هذا التبدل، لكن تصاعد التوتر لم ينته، وكانت النتائج السياسية معاكسة للمساحة التي توقعتها "إسرائيل"، فأحداث العنف خلقت افتراقا على المستوى الاجتماعي مع التسوية.

  ثانيا: إعادة صياغة مفهوم "الدور الإقليمي"، وهذا الموضوع لا يرتبط فقط بسورية، فالولايات المتحدة بدأت بمثل هذه الخطوات مع تركية، وعزلت الموضوع العراقي عن دول الجوار، كما رسمت مستقبل التسوية مع إسرائيل بغض النظر عن حلفائها التقليدين. فالأدوار الإقليمية داخل "الشرق الأوسط" لمرحلة ما بعد احتلال العراق تتضمن شراكة باتجاه واحد مع واشنطن، التي تقوم بدورها بتشكيل العلاقات الداخلية في المنطقة. وبهذه الصورة فإن التسوية أيضا تسير باتجاه واحد مرتبط أولا وأخيرا بالصورة الجديدة للشرق الأوسط.

  ثالثا رسم مساحة السلام على سياق التحالفات التي ظهرت في شرق أوروبا، فالموضوع خرج عن نطاق التسوية، ليصبح تفاهما عاما يمكن أن يؤدي لدولة فلسطينية، أو حتى استعادة بعض الأراضي المحتلة، لكنه في النهاية يحاصر المساحات التي بقيت مكشوفة في منطقة الشرق الأوسط، وينهي أي أشكال سياسية قديمة. والولايات المتحدة جربت هذا الأسلوب في الضغط على الاتحاد السوفياتي واستطاعت انتزاع "جورجيا" على سبيل المثال، لكنها في النهاية تمارس نفس الاستراتيجية معتبرة أن "إسرائيل" حالة منسجمة وع الشرق الأوسط، وهو ما يؤدي إلى تعثر مشروعها.

وإذا كان من الطبيعي أن يظهر خلاف داخل إسرائيل بشأن السلام، لكن الجديد هو أن يبقى الموقف السياسي خارج أي تعبير عن السلام، فأجهزة الأمن الإسرائيلية وفق تقاريرها الأخيرة لا تقوم بقراءة إمكانية السلام، بل تبحث في السياسة السورية وتطرح إشارات استفهام حول موقفها من السلام، محاولة محاسبة "النوايا" وهو ما يجعل دائرة البحث تتسع، بينما تظهر تقارير عسكرية حول مسألة الحرب.

لكن السياسة الإسرائيلية أيضا لم تحسم مفهومها للسلام، وهو ما يجعلها تبحث في السياسة السورية بدلا من إمكانية التسوية، وهذا الأسلوب تم اتباعه مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، عندما حكمت سلفا أنه غير قادر على تحقيق معادلة التسوية، ثم عادت وقدرت أنه من الصعب على الرئيس محمود عباس الدخول في السلام مع وجود حماس. وفي النهاية فهي دخلت في معركة المعادلة السياسية الفلسطينية. لكن هذه الالية من الصعب إعادة إنتاجها في سورية، ويبدو أيضا من المستحيل الدخول في سجال سياسي مع دمشق حول بدء التسوية وتحويل المفاوضات من سوية لأخرى كما جرى مع السلطة الفلسطينية. وحتى يتم الوصول إلى مرحلة سياسية جديدة فإن أجهزة المخابرات الإسرائيلية ستبقى مختلفة بشأن دعوة دمشق للسلام.