تحليل واحد يمكن التوقف عند جمله أو تعبيراته، لأنها تلخص الصورة الإعلامية، أو ربما "السيناريو" الذي يحاول رسم العلاقات ما بين طهران ودمشق، فزيارة الرئيس بشار الأسد إلى طهران مهما كانت نتائجها، لكنها في النهاية لا يمكن اختصارها بتعبير "بين خيمتين"، وفق حالة من التجاوز "البدوي"، الذي لا يرى الأمور سوى من زوايا البغض والحب، بدلا من اعتبار العلاقات "معرفة" بحد ذاتها.

اعتبار سورية "بين خيمتين" لا يشكل تجاوزا فقط للمعادلة الإقليمية التي تتشكل اليوم على سياق الاستراتيجية الأمريكية، بل أيضا يدخل في إعادة تكوين الصراع في المنطقة وفق قاعدة جديدة تتجاوز الوضع الفلسطيني إلى ثنائيات أخرى ربما يكون اولها "فارسي – عربي"، ثم تنتهي إلى أشكال مذهبية لا تحصى، وهذا التصور يعيدنا إلى الحرب العراقية – الإيرانية الأولى، التي أثارت هذا الصراع ثم انهته بشكل مفاجئ بعد احتلال الكويت.

وبالطبع فإن المسألة في المعادلة الإقليمية مختلفة كليا اليوم رغم أن البعض يعيدنا إلى حالة الصراع قبل عقدين، فمسألة العلاقة بين دمشق وطهران يمكن التعامل معها وفق المعادلة الأشمل للمنطقة، دون حشرها في المساحات الضيقة للتجاوزات السياسية التي تتم اليوم سواء في لبنان أو العراق، أو حتى لمساحات الاقتتال الافتراضي على صفحات الجرائد التي تحاول رسم المنطقة على سياق حروب القبائل.

فالمنطقة اليوم تعيش صراعا استراتيجيا حادا مستمرا منذ أكثر من أربع سنوات، وهذا الصراع لا يرتبط فقط بسياسات الدول كما كان عليه الأمر خلال الحرب الباردة، بل بتبديل الجغرافية – السياسية، فهذه الجغرافية التي يمكن أن تدخل مرحلة التحول نتيجة تغير الظروف لمجمل الشرق الأوسط خلقت انقساما واضحا، على الأخص مع خارطة الشرق الأوسط الجديد الذي حمل أيضا ملامح التبدل الثقافي.

المسألة اليوم ليست في ضرورة تغير "الجيوبولوتيك" في المنطقة، لكن السؤال إلى أي اتجاه يمكن أن يتحول.. وهل هذا التحول يغير خريطة الصراع كما يحدث اليوم...

هذه المعادلة أعقد من موضوع "الخيمتين" كما طرحها أحد الكتاب على صفحة جريدة الرأي الأردنية، لأنها في الواقع لا تتعلق فقط بالرغبات المستحدثة حول المذاهب والفرق التي اعتقدنا لفترة أن موضوعها طواه التاريخ، بل تشكل ثقافة سياسية جديد، فالعلاقة بين طهران ودمشق ليست رهينة حدث سياسي متعلق بزيارة الرئيس بشار الأسد إلى طهران، إنما بالتعامل مع القوى الإقليمية على قاعدة من المصلحة الذاتية بالدرجة الأولى والبحث في أي اتجاه يمكن أن يتطور "الجيوبولوتيك" في سورية أو في الشرق الأوسط عموما.