في عام 1974 زار الرئيس الأمريكي الراحال ريتشارد نيكسون الشرق الأوسط بما فيها دمشق، معيدا فتح العلاقات الدبلوماسية مع سورية، ولكنه في نفس الوقت فتح مسارا دبلوماسيا ما بين دمشق وواشنطن اتخذ شكلا حرجا على امتداد أربعة عقود. ورغم أن نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأمريكي، تزور دمشق اليوم ضمن ظرف مختلف، لكنها تقدم تعبيرا آخر عن "العلاقات الحرجة" بين البلدين. لكنها مثلما فعل نيكسون تحاول كسر تقليد سياسي حاول الرئيس جورج بوش تثبيته تجاه ما يسميه "الدول المارقة".

عمليا فإن بيلوسي تأتي دون أن تقف الحملة السياسية للإدارة الأمريكية ضد دمشق، وكان آخر تصنيف لسورية من قبل الإدارة الأمريكية قبل القمة العربية هو "عصابة الأربعة" التي ضمت أيضا فنزويلا وكوبا وروسيا البيضاء. لكن العلاقات السورية – الأمريكية لا يمكن اختصارها بما تقوم به الإدارة الحالية، فمنذ زيارة نيكسون كان الطريق ما بين دمشق وواشنطن يمر في "الجغرافية – السياسية" للمنطقة، وما يمكن أن تخلفه من أدوار إقليمية،وعلى الأخص "الصراع العربي – الإسرائيلي" أو ما أصبح اليوم "مسألة السلام" و "عملية التسوية". فلم تمض على زيارة نيكسون سوى أعوام قليلة حتى بدأت العلاقات السورية – الأمريكية بالتعثر، وكانت بدايتها إيقاف المساعدات الأمريكية مع نهاية السبعينات، لكن هذه المحطة سبقها تطور في توقيع مصر لاتفاقية سلام مع إسرائيل، وهوما أعاد ترتيب أولويات واشنطن تجاه المنطقة.

ولا بد من ملاحظة أن زيارة نيكسون كانت بعد توقيع اتفاقية فك الارتباط ما بين سورية و إسرائيل، وهوما يشير إلى أن محطات تطور العلاقة مع واشنطن ارتبطت أساسا بما يمكن أن تحمله العلاقات مع إسرائيل من تغير في الواقع الاستراتيجي للشرق الأوسط، وهو أمرسبق زيارة نيكسون عندما قطعت سورية علاقاتها مع الولايات المتحدة بعد حرب 1967، كما أنها وفي منتصف السبعينات تدهورت العلاقات مع واشنطن نتيجة محاولة سورية محاصرة نتائج اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل.

ربما لهذا السبب كانت سورية تفضل اللقاءات الرئاسية خارج المنطقة،وهوما حصل عمليا بشكل متكرر في جنيف مع رئيسين السابقين جيمي كارتر وبيل كلينتون، رغم أن الأخير زار دمشق في فترة رئاسته الأولى. فسورية كانت تدرك المؤشرات التي يمكن أن تحملها اللقاءات الرئاسية في الشرق الأوسط، وأنها تعبر عن تحول في السياسات الداخلية وفي نظرة واشنطن لهذا الموضوع، لذلك فإن مسألة "السلام" بقيت من وجهة نظر دمشق موضوعا مرتبطا بالقرارات الدولية ومكانه الطبيعي ضمن "المجالس الدولية وليس في اللقاءات الثنائية داخل الشرق الأوسط تحديدا.

لكن العلاقات السورية – الأمريكية تشابكت كثيرا بعد عام 2000، فسابقا وصلت إلى مرحلة المواجهة العسكرية في لبنان عام 1983 خلال إدارة الرئيس رونالد ريغان، لكنها لم تتجاوز عتبة التناقض الاستراتيجي كما حدث منذ احتلال العراق. وهوما يعطي زيارة بيلوسي اليوم وقعا خاصا... فهل سينتهي هذا التناقض؟!!

من الصعب استباق الأمور في ظل استمرار الإدارة الحالية، لكن من الواضح أن بيلوسي تحاول رسم أجندة سياسية جديدة، وهوما عبرت عنه في تصريحاتها في قريطم بلبنان، وهذه الأجندة لا تحتاج فقط لبرنامج سياسي بل أيضا لحوار مكثف يستوعب على الأقل النتائج التي حملتها السنوات السبع السابقة من سياسة المحافظين الجدد