رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي جالت في دمشق القديمة، وهو ما انعكس بشكل مباشر على باقي الشوارع التي ازدحمت بشكل يذكر بأيام الصيف، وبالحركة التي نحبها ونكرهها في نفس الوقت، فتذكرنا بحيوية الحياة وتدفعنا للضجر ونحن ننتظر إشارات المرور، فبيلوسي التي وقفت في الجامع الأموي وضعت من جديد تفاصيل للمدينة ننساها بشكل دائم، لكنها تعود إلينا كلما هجم الإعلام نحو الصور الخاصة للسياسيين الذين يأتون ويذهبون مع إيقاع الحدث.

عندما تجولت بيلوسي في دمشق القديمة فإن ذاكرة المدينة ربما انتعشت فجأة، والمسألة لا تتعلق بـ"الضيفة" الأمريكية فقط، بل بطبيعة الإعلام الذي يحاول أن يسير تحت العناوين العريضة، لكنه يضطر فجاة لاقتحام التفاصيل، عندما تصبح مؤشرات أو ربما رغبات للسياسيين مهما كانت انتماءاتهم. وينسحب الأمر على الحياة ككل فالتفاصيل تهرب منا أو نهرب منها، ليصبح العمل العام شعارا، أو محاولة لتجنب الجهد المطلوب من أجل أي مساحة للديمقراطية أو الحرية أو حتى لثقافة جديدة نطمح إليها، بينما تقدم زيارة بيلوسي صورة أخرى للغوص في التفاصيل.. فعنوان إنهاء الحرب في العراق هو جملة التفاصيل وليس سحب الجنود، وهو البحث في كل الزوايا السياسية وليس اتباع العزل و "التبشير" السياسي.

والمسألة ليست فقط في ما أثارته زيارة بيلوسي لأحياء دمشق من تداعيات أمامي، لأن الأمر بالفعل يحتاج لصياغة فعلنا الاجتماعي، قبل التحصن بالموقف السياسي، وقبل إطلاق أحكام "أخلاقية" على كل إجراء نواجهه، لأن الحياة أعقد من اختصارها بكلمات قليلة، أو رسمها كتضحية واحدة تظهر بعدها "المعجزة" ويظهر "المخلص" و نجد الفردوس المفقود.

لم أكن أرى في زيارة نانسي بيلوسي أي مؤشرات سياسية، لأنني كنت أحاول ابتداع مؤشرات اجتماعية، أو حتى قراءة السياسة الأمريكية بشكل مقارن لما يمكن أن تقوم به حركة المجتمع في الشرق الأوسط عموما، لأن البداية كانت في تراكم الصور التي بدأت تنهال من العراق، وفي خلق المفارقات الكبيرة التي خلقها التواجد الأمريكي نفسه، وفي تفاصيل الاحتلال بدأت "الحركة" الجديدة التي لا أتوقع أن تقوم بمعجزة تجاهنا، لأنها مسألة من المجتمع الأمريكي وله.. لكنها على الأقل جعلتني أدخل في تداعيات ومقاربات ربما نحتاجها بعيدا عن السياسة,