ربما علينا إعادة بناء مفهوم "الانتخابات التشريعية" من جديد حتى تظهر ضمن الصورة الكاملة للحدث السوري، فما حدث خلال شهر من تطورات سياسية عامة هي أمر لا يمكن فصله بشكل مطلق عن الحدث الانتخابي، ولا عن اعمال مجلس الشعب السوري، رغم أن الواقع المكرس داخل العمل التشريعي يبدو بعيدا نوعا ما عن "السياسة" الخارجية أو الإقليمية. لكن علينا أن نتذكر أيضا أن "القرارات السياسية" الأساسية كانت غالبا ما تطرح من قبل رئيس الجمهورية أمام مجلس الشعب، فسحب الجيش السوري من لبنان على سبيل المثال أعلنه الرئيس بشار الأسد في مجلس الشعب. وهذا الموضوع كان له دلالات أساسية حول ارتباط العمل التشريعي بالسياسة العامة للدولة.

لكن العمل التشريعي كما يظهر بدء من الحملات الانتخابية ووصولا إلى المجلس وما يقوم به الأعضاء داخله يخلق مجالا افتراضيا حول "المهام والوظائف"، فالحملات غالبا ما تتجاوز أي برنامج واضح، وحتى الجبهة الوطنية التقدمية تقدم الأسماء دون أن تطرح رؤيتها لما يمكن ان تقدمه خلال الأربع سنوات القادمة. وحتى إذا افترضنا أن أحزاب الجبهة متوافقة على الخط العام الذي تم إقراره داخل المؤتمر الأخير لحزب البعث، سواء في الموضوع السياسي أو الاقتصادي، لكن قائمة الجبهة يمكن أن تقدم تصورها حول آليات التعامل مع هذه القرارات.

عمليا فإن "الانتخابات التشريعية" ليس أمرا يمكن ان يمر بشكل عابر داخل الحياة السورية، حتى ولو اعتبر بعض المرشحين أنه منافسة بين مجموعات في أغلبها اقتصادية، فالمجلس وفق المؤشرات الحالية يمكن أن يتعامل مع مسائل متجددة باستمرار، وهو أيضا سيناقش على امتداد السنوات القادمة مشاريع قوانين تطال الحياة السياسية في سورية، فهل يمكن إبقاء هذا الحاجز الافتراضي ما بين عمله الحالي وما ينص عليه الدستور السوري؟!

الحدث السياسي السوري اليوم متشابك ما بين الشأنين الداخلي والخارجي لأبعد الحدود، وصورة الحراك السياسي التي تظهر قبل الانتخابات ستكون محط سؤال في المرحلة اللاحقة، بحيث يمكننا العودة مجددا إلى مراقبة حركة الأعضاء وهل يقومون بلقاءات متبادلة خارج إطار العمل الروتيني داخل المجلس؟!!

أسئلة كثيرة ستبدأ مع نهاية العمل الانتخابي، وهي وليست من فضاء لا علاقة له بالعمل التشريعي، لأنها انطلقت مع ظهور صور المرشحين، ثم احتدام الحملات، وهي أيضا متداخلة في المشهد السياسي العام... فهل المرشحون مستعدون "معرفيا" لهذه الحالة؟!! إنه ليس سؤال بقدر كونه محاولة لإدراك الأبعاد التي تحملها العملية الانتخابية، إضافة للوعي العام الذي يملكه الشارع تجاه هذه المسألة.