يختصر الرجل كل المعاني فجأة ليصبح شهيدا، وهذا الاختصار يعيد رسمه داخل واقع الحياة من جديد، فليس مهما مسيرته قبل لحظة الاختصار لأنه استطاع أن يدخل في غفران "ما تقدم وما تأخر من ذنبه"، لكن هذه "الشهادة" هي صورة واحدة لما يمكن ان يصادفنا من الدقائق التي ترسم "تضحية" لا يستطيع أحد الحديث عنها، وهي تخرج من إطار المناسبة وتصبح صورة اعتيادية تمر امامنا بشكل سريع دون ان نلحظ أن الحياة ليست فقط اختصارا نوعيا واحدا.
احترم كل من علقه جمال باشا على مشنقة... وأكثر من ذلك فأنا اشعر انني امتداد لهذا الزمن الذي أراد رسم أفق للقادم، وكانت أسماؤهم تظهر امامي في كل رحلة صراع ضد الماضي، أو في الحاضر الذي يضربني بتياره، فأصر على التمتع بروعة الصدمة أو الصفع التي أتلقاها حين احتضن بداية الدخول للون جديد رسمته المشانق ما بين بيروت ودمشق.

وأحترم أيضا صورتي لمسألة الشهادة كما أفهمها خارج الاختصار، لأن مجاهدة الحياة أصبحت "شهادة"... ورؤية الشريط المصور "لرجم" فتاة "شهيدة" يشكل نوعا من الفداء أيضا. بالطبع لن يسجل أحد اسماء اللواتي رجمن.. ولن نشعر بالخجل من العودة للماضي رغم تضحيات شهداء السادس من أيار... فما يحدث اليوم حالة لا يتخيلها جمال باشا الذي لم يعد سفاحا، لأن أي جهادي أو جندي مارينز قادر على تعليق مشانق يصعب حصرها..

إنها مشانق "الخوف" التي خلقتها الرغبة في استباحة "البشرية"، وفي التعامل مع الناس والمجتمعات على منطق محاكم التفتيش. فلن يذكر أحد دعاء خليل اسود لأنها نموذج فقط يحدث في العراق المرسوم في داخلنا صورة لعصيان دائم وابتكار وجرأة، لكن دعاء خليل أسود تعيدنا إلى "أفغانستان، او استباحة الإناث، والذكور أيضا، في صور للشهادة لم نعهدها من قبل!!

أفرح اليوم وأبكي لأنني لم أعد أعرف أن المساحات المختلطة جعلت الماضي واقعا أمامي، ورسمت الموت بعيدا عن "الشهادة" التي "يختلف" العلماء عليها اليوم، مقدمين صورة للتنافر وكأننا بانتظار فتوى استطعنا التخلص منها قبل قرن كامل.