شكرا لشبكة الإنترنت لأنها اتاحت لنا مساحة خيال، وربما قدرة على متابعة بعض من الأحلام الطفولية، فنستقبل أحزابا عليها ونودع "حركات"، ثم نقف في النهاية ضمن شكل جديد أو واقع جديد من الافتراضات السياسية.

وعندما "تظهر" حركة جديدة على الإنترنت فليس علينا أن نتسائل من أين أتت، لأن الإنترنت لا يفرض علينا سوى أن نقيم بناء كاملا ثم نلوح به للآخرين، ونحاول عبره اختراق الثقافة التي تسود المجتمع وربما ننسى أن مشاكل الناس لا تمنعهم فقط من دخول الشبكة، بل مشاكل الشبكة أيضا تدفع حتى المهتمين إلى البقاء بعيدا والاكتفاء بما تبثه الفضائيات العربية تحديدا.

في الموسم الحالي نعيش طفرة "سياسية" ومساحة "ليبرالية" في التعبير عن الذات، وفي نفس الوقت نشهد "تعسفا" لأن ليبرالية شبكة الإنترنت تفرض قمعا خاصا في مسألة تغييب حقيقة العاملين على هذه المساحة، وتمنعنا حتى من السؤال عن "من هم" ... لأن الرابط الأساسي لبعض المواقع الذي من المفترض أن يفصح عن هوية الموقع غير فعال... وهذه التجربة تكبر دائرة الشك حول طبيعة مساحة الحرية التي نحاول اقناع انفسنا بها داخل شبكة الإنترنت.

العالم الافتراضي لم يظهر من "الخيال" فقط، وإذا كان من الصعب تنظيمه نظرا لطبيعته، لكنه عندما يحاول أن يدخل مجال العمل السياسي، فعليه على الأقل أن يخاطبنا كبشر وليس كأرقام وحسابات داخل الإنترنت، وعليه أيضا أن يقنع نفسه بهذه الديمقراطية فيفصح عن نفسه بدلا من استخدام الأسماء المستعارة.

لا يمضي يوم دون استقبال عشرات الرسائل المتخصصة بـ"الهجاء السياسي"، إضافة لمحاولتها احتكار التمثيل عن الشعب السوري، والمشكلة أن هذه الرسائل تأتي باللغتين، وكأنها تسعى لزيادة التعبير أو لاقناعنا بـ"عولمة المعارضة"، ثم تطرح نفسها بديلا عن الحركات والأحزاب الموجودة، لكنها تنسى أنها تتعامل مع بشر وليس مع "حزمة ضوئية" فتفضل أن تجعل من أسماء أصحابها رموزا يصعب فكها.

المشكلة التي نواجهها مع الإنترنت ليس في التوالد السريع للأحزاب الافتراضية وكان آخرها "الحركة القومية الاجتماعية"، بل أيضا هي حاجتنا لحرية حقيقية بدلا من ظهور "وكلاء حصريين" للتمثيل السياسي في عواصم العالم، وهذا التعبير مقتبس من "وكيل أعمال الحركة" الذي وقع أخيرا بيان لـ"حركة افتراضية".