لم أجد في قاموسي أي مصطلح يستطيع التعبير عن "كلام" الغادري، لأن ما قام به سابقة اجتماعية وليست سياسية، وإذا كان النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي أحمد الطيبي قدم التعبير السياسي في الوجه الغادري، فإنني أحاول أن أجد "الصورة الاجتماعية" للابتسامة التي رسمها الغادري على وجهه، وهو يسرق خيباتنا ويضعها على مساحة جسده، فنستطيع أن نعرف أن الجسد الذي يتحرك هو وهم وليس حقيقة.

لا أعرف إن كان الغادري قرأ التوراة أو تبحر في المرويات اليهودية، لكنه قريب منها أكثر مما يعتقد، فهو لا يحمل أوهامه فقط بل يصور "خيالا" كاملا نستطيع أن نتعرف عليه أكثر في القصص التي تتحدث عن ألف سنة من تدوين التوراة. وقبل أن أصفع بمعاداة السامية فإن المسألة ليست تعصبا بل محاولة فقط لمقاربة ما قام به مع جملة الأوهام المفروضة علينا اليوم كحقائق.

الغادري يتبسم... ويطرح السلام بين "شعبين"، ولن نسأل هنا من فوضه، لكننا في نفس الوقت لا نستطيع سوى رسم الدهشة من قدرة الاغتصاب التي يملكها، فهو ينتقل من الولايات المتحدة إلى الدولة العبرية في رحلة عادية لم تكن موجودة داخل المرويات اليهودية، والرحلة إلى هيكل سليمان لم تكن من الغرب بل من الشرق، وانها كانت مليئة بالإحباط.

من يريد السياسة اليوم ربما عليه أن ينسى التراث... أن ينسى بأن الرحلات التي تقوده نحو القدس "مقدسة"، فهذه الرحلات لم تكن في يوم من الأيام تحمل معها أي شكل خاص، وربما لن يذكر التاريخ سواء "قدسيو" استعادة القدس، أو ارتجال الخطب، والتلاعب بالكلام، فهو لا يذكرنا بزمن السلاجقة بل أيضا بما نسيه الغادري عندما ترك الولايات المتحدة ورحل نحو القدس... ربما نسي أن إعادة التاريخ مستحيلة، وأننا في زمن جديد كل لحظة... وأننا في النهاية لا نستطيع تخيل سلام دون "عدل".

ما قام به ليس بسيطا لأنه يجرح الصور التي حملناها معنا منذ الطفولة، ويتركنا نتقلب على مساحات من الأزمات بين قناعاتنا والصور المشوهة التي تنقلها وسائل الإعلام... وما قام به هو صياغة "مسخ اجتماعي" يحاول تلبس "شعب" فأي غرض سياسي في ما يقوم به.