قبل سنة كان اليوت ابرامز الذي يصفونه في الولايات المتحدة بانه اخر المحافظين الجدد الذين ما زالوا قادرين على الوقوف على قدميهم ، يدعو الفلسطينيين الى انقلاب على حماس ، وتشكيل حكومة جديدة بدونها ، بحيث تستطيع الولايات المتحدة واسرائيل ان تتعامل معها.
وبالامس حصل الانقلاب ولكن من قبل حماس ، ليرد عليه فورا بانقلاب اقال حكومة الوحدة الوطنية وشكل حكومة جديدة لن يكون من شأنها الا قسمة القطعة المتبقية من فلسطين الى كانتونين وحكومتين وكتلتين من الناس : واحدة محاصرة في غزة والاخرى محاصرة في الضفة الغربية . والنتيجة القضاء نهائيا على حلم الدولة الفلسطينية ، ان لم يكن تصفية القضية بالكامل.
وبمطالعة الصحافة الغربية ، نجد القليل منها غير الخاضع للسيطرة الصهيونية يشير الى دور للسي اي ايه في كل ما حدث ، عبر استثارة حماس واستفزازها ، من جهة ، وعبر اقناع بعض قادتها باسلوب الرد الذي حصل ، وشحن صدور شبابها لممارسة بعض التجاوزات التي شهدنا. دور لم نكن نحتاج لقراءات غربية لنهتدي الى اصابعه ، ليس لاننا من عشاق نظرية المؤامرة ، بل لان الذي يظن ان الولايات المتحدة واسرائيل يمكن ان تتركا فلسطين وشأنها ، وان تسمحا لها بممارسة ديمقراطية حقيقية ، توصل حماس الى السلطة ، في واقع ما تعيشه واشنطن في العراق ، ومع ايران ، وفي واقع مركزية الصراع العربي الاسرائيلي ، وخاصة بعد فشل اسرائيل في حرب تموز الاخيرة ، التي كانت اهدافها اميركية قبل ان تكون اسرائيلية . الذي يظن ذلك هو من السذاجة السياسية بمكان ، يجعله يعتقد ان الدول الكبرى وحتى الصغيرة تحقق قوتها بدون ستراتيجية طويلة ، لا بد لها وان تتضمن الكثير الكثير من المؤامرات التي ما هي في الواقع الا مخططات سوداء.
واذا كان ما حصل في فلسطين موازيا لصعود نجمين في سماء السياسة الاسرائيلية : ايهود باراك لدى العمل ، وبنيامين نتنياهو لدى الليكود . علما بان الاول هو صاحب النظرية المعروفة"العمل خلف خطوط العدو" ، وهو المعروف ايضا بعلاقته الوثيقة باحد القادة الامنيين الذي لعب دورا كبيرا في استفزاز حماس وجرها الى المواجهة .
والثاني هو صاحب الرؤية المعروفة ايضا القائلة بعدم الاعتراف باي حل مع الفلسطينيين ، الا حل استئصال الارهاب ، والتي فصلها مند عام 1995 في كتابه الذي حمل هده العبارة عنوانا"استئصال الارهاب"وفيه وضع استراتيجية محددة تبدأ بضرب العراق قبل امتلاكه قوة نووية ، وضرب ايران كذلك ، وشل الجيوب الارهابية واولها"جيب غزة" عبر فصله عن الضفة وتطويقه ، تمهيدا لضربه ومن ثم اعادة ضم الضفة بعد اجبار الفلسطينيين على التخلي عن العنف . (ومن ثم ينتقل الى جيب حزب الله وسواه مما يجمله بتعبيرين: الارهاب السني والارهاب الشيعي ، وذلك قبل ان تتفتق عبقرية الاخرين عن هذا الشرخ بحوالي عشر سنوات).
واذا ما كانت كونداليزا رايس رسولة الفوضى الخلاقة في المنطقة ، قد وقفت يومها في صف اليوت برامز بخصوص فلسطين ، مقابل دونالد رامسفيلد ، الذي كان يعارض القضاء على حماس لانه يرى فيه تأجيجا للوضع في العراق .
وها هو قد ازيح عن الساحة وبقي خصومه اصحاب الراي الاول . فقد استطاع هؤلاء ، اميركيين واسرائيليين ، العمل خلف خطوط العدو ، بدءا من لبنان وانتقالا الى العراق والان في فلسطين ، عبر عملائهم ، عبر اموالهم وعبر دسائسهم
واستطاعوا ان يمنحوا نتنياهو دليلا على نظريته بان الارهاب ليس نتيجة ظلم اسرائيل او الغرب ، وانما هو طبيعة متأصلة في السيكولوجيا العربية الاسلامية.
كما استطاعوا ان يطمئنوا الى ان ما يفعله العراقيون ببعضهم واللبنانيون ببعضهم واخيرا الفلسطينيون ببعضهم ، يغطي على جرائم الاحتلال في العراق ، والاحلال في فلسطين.
من جهة ثانية تعطي احداث غزة فرصة لانصار اسرائيل في اوروبا الموحدة ان يقفوا في وجه الاغلبية التي صوتت قبل عامين لصالح اعتبار اسرائيل خطرا على السلام العالمي ، ليقولوا لهم ان هؤلاء الدين يذبحون بعضهم بهذا الشكل هم الخطر على السلام العالمي ، وعليه تتحدد السياسات الاوروبية بشكل آخر.
انجازات لم يكن بوسع بوش ولا اولمرت ، لا رايس ولا باراك ، ان يحققوها لولا الجنون الفلسطيني ، الذي لم يمتلك وللاسف الحكمة الكافية لصون دمائه وصون قضيته ، فهل ما تزال هناك فرصة؟ ام انه لم يبق لنا الا ان نصرخ لتضيع اصواتنا في ضجيج الفوضى والرصاص؟

مصادر
الدستور (الأردن)